أقلام حرة

مُزكـّى

دراجة وكادت الضحية ان تفقد حياتها لولا عناية الباري، وبعدها بايام كان على امه ان تسافر الى البلاد لرؤية والدها الذي يعاني من سكرات الموت، طار "مزكى " الى البلاد وبقيت هنا في أستراليا بقلق لايوصف عليه، ثم قررت اللحاق به، شهد طفلي وهو مازال في بطن أمه إنفجار المفخخات هناك وشهد أيضا حلقات الندب العراقي على موتاهم بعد ان رحل جده عن الحياة، وإستمع الى ندابة بصوت شجي عرفنا فيما بعد انها ابنة اخت المطرب الراحل رياض احمد، كان صوتها الجميل والذي يقطر حزنا بصراويا قد فجّر الدموع من قلب الصخر كما يقولون، وبعدها عاد طفلي برحلة الى استراليا وهو بعمر ثلاثة شهور وما ان وصل الى بلاد الكناغر حتى اصيبت امه بإنفلونزا الخنازير .. وكانت تقارير الأطباء تشير الى حالة حرجه وربما ان العدوى ستنتقل الى ولدي  " مُزكـّى " الذي مازال جنينا في رحم امه .. وفي لحظة تجلٍّ خالصة جلست امام مشكاة الله ورفعت رأسي الى السماء متضرعا ان ينقذ الوليد من ذلك الوباء الخطر .. جلست لساعات طوال اتحدث مع الله كصديق حتى ينقذ طفلي من اي مكروه .. لم اذرف دمعة واحدة حينها لكن قلبي كان اشبه بنبع من العبرات تهطل على جنبات روحي .. حتى ساعة الفحص المختبري له وجاءت النتائج سلبية وكنت اظن  ان كل شيء انتهى لكنهم اخبروني وكنت حينها اشبه بالفاقد الى الوعي ان النتائج السلبية يعني ان طفلك معافى وسرعان ماتركت المشفى هائما في الشوارع وانا ارسل القبلات إثر القبلات الى الله ذلك الرؤوف الرحيم .. وحين حانت ساعة ولادته قرر الإطباء إجراء عملية قيصرية لإمه .. وجاء وحمدا لله طفلي  "مُزكى " الى الدنيا اخيرا سالما معافى .. وها انا اقول له ياطفي المزكى عليك ان تحب الفقراء لأني طلبت من الله بشفاعة الفقراء ان يولدك الى الدنيا، وإياك ياطفلي عندما تكبر ان تكون عضوا في البرلمان لأن جميع اعضاء البرلمان لايحبون الفقراء، وإياك ان تكون وزيرا  فجميع الوزراء يفكرون بمناصبهم اكثر مما يفكرون بتنفيذ مشاريع خدمية للناس، ولاتكن رئيسا للبلاد او رئيسا للوزراء فليس هناك من رئيس جاء الى البلاد وخرج من منصبه دون ثروة طائلة بإستثناء عبد الكريم قاسم، عليك ياطفلي ان لاتكون شاعرا ذات يوم فالشعراء يبقون بفاقة حتى لو حصلوا على جائزة نوبل، وارجو ان تدعو لي حتى ابرأ من جنون الشعر!! ولاتكن زاهدا جدا لان الزهد عادة مايقترن بالبخل، اريدك ان تحب الفرات ودجلة وتصلي تحت نصب الحرية عندما تبلغ سن الرشد فلربما ذات يوم وانت تعود الى البلاد سترى ان بلدك اكثر إزدهارا من جميع بلدان المنافي .. وأريد منك ياطفلي ان لا تدع يدك مغلولة الى عنقك عندما يكون الأمر متعلقا بالفقراء .. بل ادعوك ياطفلي المزكى ان تبيع قميصك حتى تشبع معدة فقير، اجل يا طفلي اريدك ان تحب الفقراء جدا لأنك إبن سلالة ملوك ..  "مزكى " يا طفلي الأخير انا احبك والله يحبك واتمنى ان يحبك الفقراء  "وثانك يو ماي كود ".

 

 

حسن النواب

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1237 الاربعاء 25/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم