أقلام حرة

أهلة التطرف الإسلامي

الإنسانية بقديمه وحديثه، لتنتهي تصوراته وتخيلاته إلى التسليم برمزية وشعارية كل صورة وما ترمز إليه من علائم القوة لدى اليهود والألم عند المسيحيين والرفعة عند المسلمين .

ننسى أحياناً في غمرة التقديس لهذه الرموز، الانتباه أن خلفها جرت صراعات عقيمة وعميقة في آن، ولازالت تلك الرموز تقسّم البشرية بسيف السياسة والمصالح  إلى شرق وغرب، تقدم وتخلف، وبالمنحنى الديني إلى دار سلام وحرب،متشدد ومعتدل، فالكل في هذا الغمار، يريد أن يجعل من ذاك الرمز كياناً سياسياً يعبر عن ذاته في بقعته الجغرافية المحددة تاريخاً سواء في أوروبا " الاتحاد الأوروبي " أو في الشرق الأوسط " الأمة الإسلامية " .

ولأن التطرف والتشدد هما السمة الأبرز لمظاهر العصبية، وأحد أركانها الرئيسية، فإن كل الأديان، فيها من التطرف ما يزيد عن تطرف اللادينيين، ويصل الأمر بالمتدينين، ونقصد بهم المتطرفين في فهم الدين والحياة بطريقة هرمية مقلوبة، بالجزم نحو انعدام وجود من هو غير ديني، مستندين في جزمهم هذا إلى الفطرة التي فُطِرَ عليها الإنسان لحظة خلقه واتصاله بالحياة .

من الممكن القول، إن تلك الفطرة وإن كانت موجودة في جينات البشر، فإنها النواة التي سيقوم عليها بناء الشخصية، وهي أيضاً التي ستحدد السلوك الفردي والجمعي في التماس طريق الخير والشر، أو التطرف والاعتدال وما بينهما مع المحافظة على المسافة الفاصلة من الدين دون الخروج عنه .

فلا يمكن القول، إن المعتدلين ليسوا كلهم أو بعضهم لا دينيين، وبالمقابل الجزم بأن كل متطرف هو ديني متعصب في إيمانيته، فما يحدد التطرف والاعتدال في شخصية الإنسان الشرقي أو الغربي، ليس المعيار الديني، بقدر ما تحدده المسافة الاجتماعية الفاصلة بين التعصب لشهوات الدنيا وللذات الآخرة، فليس هناك ما يبرر لأي إنسان كان، أن يؤذي أخيه الإنسان في جسده وروحه لمجرد أن يحقق من خلاله شهواته ونزواته في الدنيا، كما لا يبرر لمسلم أن يقتل يهودياً، أو ليهودي أن يقتل مسلماً، فقط لأن الأول يجد في الثاني مغنماً لدخول الجنة، والثاني يرى الأول أدنى منه قدراً وأقل حقاً في الحياة .

وما ينسحب على اليهودي والمسلم، ينسحب كذلك على المسيحي وعلاقته المتعددة مع نظيره المسلم في الشرق واليهودي في الغرب، والعلاقة نفسها بسلبها وإيجابيها، هي ما يؤسس لنمو روح التطرف وتغذيه بوقود المصالح المتضاربة والمتباينة، ولا يعني التطرف هنا، المقاومة أو رد الفعل، كونه غير مقنن بمنهجية سياسية وآلية عمل تنظم أهدافه ومراميه، بل هو مجرد أفعال غير منضبطة بضوابط الأخلاق، فهو أقرب ما يكون إلى الهمجية والعنجهية .

إذن ليست النواة ولا الفطرة من المحددات الرئيسية للتطرف، وإلا فإننا أمام مليارات المتطرفين، لكن ما يحددها، كما سبق وأشرنا، تلك العلاقة السالبة أو الموجبة بين دين وآخر، وبالتالي بين مجتمع وآخر، وقد يكون أو لا يكون الحوار هو السبيل الوحيد لإنهائها، لا سيما إذا ما جرى القبول بالحوار أو رفضه .

وللتدليل على أن الفطرة ليست نواة التطرف، وكي لا يفهم من تدليلنا هذا، أننا تعمدنا تعميم التطرف على سائر الأديان، فإنه لا يسعنا في هذا المقام سوى إسقاط الضوء على واقع الصراع السياسي بين المسلمين أنفسهم كدول وجماعات سياسية ومذهبية.

فما يغذي التطرف بين المسلمين أنفسهم، ليست قضية التكفير أو غيرها من القضايا الفقهية مثار الجدل، إنما الصراعات السياسية المستديمة عبر التاريخ، وقد يجادل البعض هنا أن الأمر عائد في رمته إلى جوهر العقيدة التي جاء بها الإسلام أو إلى جملة التعاليم التي خرج بها القرآن، أي الإصرار على أن الأساس يكمن في الفطرة، ولكن من دون الاعتراف بها .

والسؤال المطروح هذا اليوم، أليست الفطرة التي فُطِرَ عليها المسلم " السني" هي ذاتها التي فُطِرَ عليها المسلم " الشيعي"، إذن، ما الذي يعمل على تأجيجها ؟ وقد يقول قائل، إن الفتاوى التي يتفوه بها المشايخ على الطرفين تحت مسميات درء الفتنة أو إشعالها، هي ما يؤجج نار التطرف .

ويفوتنا أحياناً أن تطرف القاعدة وحركة طالبان مركزٌ على المجتمعات " السنية " أكثر منها على " الشيعية "، وأن صراع مجاهدي خلق مع النظام الخميني في إيران، هو صراع شيعي - شيعي صرف، وهنا لا تلغى الصراعات الجانبية بين مَن هو سني وشيعي، وهي في مجملها صراعات سياسية أكثر منها مذهبية، ونذكّر بالعلاقة البينية غير المؤكدة بين " تنظيم القاعدة" والنظام الخميني سواء في العراق أو أفغانستان، وهي علاقة متضادة إيديولوجياً وعقدياً، وبالعلاقة المؤكدة بين النظام الخميني وحركة "حماس" ذات التوجه الإخواني في فلسطين .

فما نحن عليه اليوم من صراعات سياسية تجوب أرجاء الشرق الأوسط، باتت تشكل في مجموعها محاور سياسية تتقاطع مع بعضها، كما هو الحال بين المحور الإيراني " الديني " والمحور السوري " العلماني "، أو تتصادم مع بعضها الآخر، كعلاقة المحور الأخير مع مصر أو دول الخليج، وحجة هذا المحور وغيره، تعزيز (المقاومة) و(دعم جبهات الصمود) . 

إن المحاور السياسية، باتت اليوم المصدر الرئيسي لأهلة التطرف الممتدة شرقاً وغرباً وفي كل الاتجاهات، وهي أهلة ومحاور تعمل ضد بعضها البعض، خلف غطاء الإسلام تارةً والسياسة تارة أخرى ، بدءاً من جنوب فلسطين وانتهاءً بشمال اليمن.

 

كاتب عربي

[email protected] 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1238 الخميس 26/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم