أقلام حرة

العرب في المنظمات الدولية بين النمطية والمبادرة

ibrahim aboetaylaوانا أجلس متابعاً لما يدور في أروقة مبنى الأمم المتحدة أثناء انعقاد اجتماعات الجمعية العامة أغوص في ذكريات ليست بالقديمة، وذلك عندما كنت أشارك في اجتماعات الجمعية العمومية لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في روما، ويحق لي ان اتساءل فيما إذا كانت مشاركة وفود الدول العربية في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة تماثل مشاركتهم في اجتماعات الجمعية العمومية لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وهل مشاركتهم تأخذ اسلوباً نمطياً لا يخرج عن ماجرت عليه العادة ..

اسمع من هنا وهناك أخباراً مفادها ان هذا الوفد قد قدم مقترحاً او أثار موقفاً أو عارض موقفاً ما، حيث أن كل ذلك يأتي من وفود الدول غير العربية فيما تكتفي وفود الدول العربية بالابتسامات مع الصف الثاني أو الثالث من وفود الدول المشاركة على أحسن تقدير .. يأتو مسرعين متعجلين لإلقاء كلماتهم المكتوبة سلفاً في عواصمهم دون أدنى معرفة بما يحويه جدول أعمال الاجتماع، وعندما يتم تحديد توقيت موعد خطبهم إذ بهم يبدأون بتحضير انفسهم لكاميرات المصورين وتلفزيونات العالم متخيلين أن في كلماتهم سحراً سينقذ العالم من الفقر والجوع والبطالة متصورين في أنفسهم أن العالم على أحر من الجمر للاستماع إلى خطبهم .. وعندما تتم مناداة رئيس وفد ما لإلقاء الكلمة يزرع على محياه تكشيرة مصطنعة وجدية غير حقيقية، وما أن يصل إلى المنبر حتى يقوم بتبديل تكشيرته بابتسامة لا علاقة لها بما يدور في القاعة بل يتركز ذهنه في الصورة التي سيتم التقاطها له وهل ستكون مناسبة لوضعها في صحافته المحلية وماذا سيكون رد الفعل عدما يرى الناس قيافته وهندامه ...

يقوم رئيس الوفد بإلقاء الكلمة على عجل وليس بأحسن من تلميذ مكلف بحفظ موضوع من كتب المحفوظات والنصوص العربية القديمة .. يلقي الكلمة التي لاتحمل مضموناً جديدا ولا تتضمن معنى يستحق التوقف عنده، يفكر طويلاً بالتصفيق الذي سيتبع القاءه لكلمته كمثل اللاعب الذي الذي ينوي تسديد ضربة الجزاء وعقله وفكره عند الجمهور المتابع منتظراً من الجمهور الهتاف والتصفيق الأمر الذي لايرى معه الهدف الواسع والعريض أمامه وينتهي بتسديد الكره خارج المرمى ؟، فلربما كان لاعب الكرة معه حق بذلك وبم يفكر لأن نجوميته ستزداد مع كل هدف يقوم بتسجيله الأمر الذي سينعكس بالضرورة على ارتفاع أجره، ولا يعرف من يلقي الكلمة بأن التصفيق الذي سيتبع كلمته ماهو إلا تصفيق بروتوكولي تمارسه أعضاء الوفود المشاركة دون حتى معرفة من قام بإلقاء الكلمة ولا مضمونها ... وبعد أن ينزل من على المنبر يتوجه إلى أعضاء وفده منشرحاً مسروراً بانجازه العظيم وهم قطعاً سيقدمون له التهاني والتبريك على هذا الإنجاز العظيم ويقوم بتكليفهم بمتابعة المصور وإحضار الصور ليرسلها إلى صحافته رمزاً ودليلاً على ما حققه من بطولة .

ينهمك أعضاء الوفد بذلك مضطرين لمغادرة القاعة وهو معهم بالطبع .. أعضاء الوفد يبحثون عن الصور وصياغة الخبر مرفقين معه الكلمة العظيمة التي تحوي سر الحياة للباحثين عن لقمة العيش، أما هو وبعد ان حقق اعجازاً ومبادرةً عظيمة ستدخل ضمن أوراق المنظمة كمرجع يتم الرجوع إليه كلما تطلب الأمر ايجاد حل للفقر والجوع، فإنه وبلا شك بحاجة للراحة والاستجمام وتناول وجبة شهية من الطعام الايطالي الشهير وبعدها فهو بحاجة إلى وقت كاف للتسوق والراحة فيقوم من ناحيته بتكليف احد اعضاء الوفد المرافق بالمشاركة في الاجتماعات وإن صدف وأن حضر فسيكون حضوره حضور من انهى واجبه غير مبال بما قيل او يقال متأففاً من طول الكلمات التي تلقى مراجعاً بكل لحظة ما أمامه من جدول لكلمات الدول وكم بقي منها.

ولعلي هنا لا اذيع سراً ولا أقول كفراً عندما اتطرق لموضوع اللغة العربية فبالرغم من كونها لغة معتمدة في منظومة الأمم المتحدة، والترجمة الفورية منها وإليها متوفرة للجميع، فقد كانت بعض الوفود العربية تصر على إلقاء الكلمات بلغات أخرى غير عربية، وحتى من لو تطلب الأمر من وفد عربي ممن ألقى كلمته باللغة العربية أن يتدخل في شأن ما فإن تدخله غالباً ما يتم بلسان غير عربي وبلغة أجنبية مكسرة الإنشاء والنطق ليتباهى أمام أعضاء وفده بأنه يعرف لغات أخرى ... وهنا أريد أن اتوقف ولو قليلاً عند اللغة العربية فقد كانت العادة تقضي بأن يقدم رؤوس الوفد كلماتهم بإحدى لغات ثلاث ( الانجليزية أو الفرنسية أو الاسبانية ) حيث استمر هذا الوضع حتى عام 2009 عدا عن خلو المنظمة وفي المكتب الخاص بالدول النامية من حاسوب يتضمن برنامجاً للطبعة باللغة العربية ...... ولعل في ذلك مؤشر على مدى اهتمام دولنا بلغتنا الجميلة ......

الحديث عن مشاركة العرب في اجتماعات منظمة الأغذية والزرعة للأمم المتحدة حديث طويل ومؤلم احياناً ولكني أمني النفس بأن لا تكون المشاركة في اجتماعات باقي منظمات منظومة الأمم المتحدة مشاركة نمطية وأن يدرك العرب بان هذه المنظومة وإن لم تكن تفيدنا فهي حتماً ستضر بمصلحتنا إن لم نكن على مستوى الطموح والمسؤولية علنا نصيب ولو شيئاً بسيطا مما تقدمه للآخرين ... وأن يتحلى ممثلينا بهذه الاجتماعات بالصبر والدهاء والجرأة في طرح الأمور التي تهم دولنا وأن نعرف من نصادق وعلى أي موضوع نوافق دون النظر الى كاميرات التلفاز ورغبة المصورين بأخذ اللقطات مدفوعة الثمن وفوق ذلك كله ان يتم اختيار ممثلينا ممن يتحلو بالكفاءة وان تتم عملية الاختيار بدقة وعناية لا أن ترتكز فقط على الترضيات الاجتماعية.

 

ابراهيم ابوعتيله

عمان – الأردن

26/9/2013

 

في المثقف اليوم