أقلام حرة

جنيف مربط خيلنا

ibrahim aboetaylaبعد أن تم دفع ثمن غال من دماء أشقائنا في سوريا وبعد دمار لحق بالشجر والحجر في كل أنحاء سوريا، بدأ يلوح في الأفق مكان لتلتقي به خيول المتخاصمين .. قوى مختلفة من شرق وغرب المعمورة تنشد بأن يكون هذا المكان هو جنيف الهادئة الوادعة التي تصلح بدون أدنى شكل للراحة والاستجمام، فهل سيصلح هذا المكان للحوار والمكاشفة الي تنتهي بالمصالحة، لا شيء مؤكد حتى هذه اللحظة فيما يتعلق بجنيف (2) وماذا سينجم عنه، ولكن هناك حقائق مؤكدة برزت في الآونة الأخيرة أهمها ما يلي:

- خرجت روسيا منتصرة وأخذت بمحاولة العودة لتحتل مكان الاتحاد السوفييتي السابق كقطب ثانٍ في هذا العالم من خلال فرضها لرؤيتها المتعلقة بالشأن السوري حيث استطاعت أن تمنع العدوان – الضربة – الامريكي على سوريا وفرضت مقترحها بمعالجة ملف السلاح الكيماوي في سوريا .. بتدميره .. وتجريد سوريا من سلاح كان ضروريا ضمن منطق توازن الرعب، آخذين بعين الاعتبار أن الروس طلبوا تدمير هذا السلاح رغم تأكيدهم بأكثر من مناسبة بأن المعارضة هي من استخدمت هذا السلاح الذي يعتبر وحسب ما جاء على لسان بوتين بأنه جزء من توازن الرعب بين – اسرائيل – وسوريا .. قد يكون هناك تناقض مابين ما هو معلن وبين ما تم تبنيه واقتراحه من الجانب الروسي ولكن مايشفع لهذا التناقض وصوله إلى منع أمريكا من توجيه عدوانها على سوريا.

-  خلخلة واضحة في الموقف الغربي وعدم اتفاق الشركاء على تنفيذ العدوان على سوريا بعد أن تم رفض ذلك من قبل بريطانيا والمانيا وغيرهما من دول التحالف وبقاء فرنسا تصيح وحدها من خلال رئيسها هولاند لتنفيذ هذا العدوان كرد للجميل لأمريكا على مساندتها له في عدوانه على شمال مالي، فيما كان أوباما ووزير خارجيته ينفذون أكبر حملة إعلامية لحشد الرأي العام الأمريكي للموافقة على العدوان هذه الحملة التي لا مثيل لها في امريكا إلا حملة انتخابات الرئاسة،  وقبل أن تنتهي الحملة إذ بالروس يقدمون أوراق اعتمادهم كقوة جديدة تستطيع تغيير مسار الأحداث بتقديم مقترحهم الذي وجدت به امريكا مخرجاً يحفظ ماء وجه الغرب في ظل عدم التوافق بين دول التحالف والتردد الواضح في الشارع الأمريكي فما كان من أمريكا إلا الموافقة عليه .

- تفكك وضعف في موقف معارضة الخارج يصاحبه تقاتل بين ممثليها في الداخل وبين القوى المتطرفة التي تتخذ من مفهومها الخاطئ للاسلام أساساً لتصفية كل من يعارضها والتنكيل به بصور تخلو من الحد الأدنى للإنسانية، صاحب ذلك تراجع العديد من المجموعات المسلحة عن تأييدها للإئتلاف الذي حظي برعاية واعتراف في السابق من قبل العديد من الدول العربية والغربية بحيث وصل الأمر إلى عدم الإنسجام في المواقف بين الجيش الحر وقيادة الإئتلاف الأمر الذي تسبب في عدم تمكن المجلس الممثل للإئتلاف من الوصول إلى موقف موحد بشأن جنيف، فيما تتخذ المعارضة في الداخل موقفاً مغايراً من المسألة من بدايتها وحتى الآن، ففي الوقت الذي ايدت فيه معارضة الخارج العدوان المزمع على سوريا رفضته معارضة الداخل بقوة، خلاصة القول أنه بات يصعب تحديد المعارضة التي ستشارك في مؤتمر جنيف ليصار إلى دعوتها بعد تكليف أمريكا بإحضار أو إرغام المعارضة على المشاركة فهي وإن استطاعت ذلك مع معارضة الخارج فإن معارضة الداخل لن تقبل أن تساق للمؤتمر بإرادة أمريكية.

- ارتباك واضح في مواقف الدول الإقليمية تجاه كل ما حصل ويحصل في ظل تراجع الأمريكي عن عدوانه حتى الآن وضعف المعارضة وعدم وجود ممثلين أقوياء لها يستطيعون أن يستقطبو ولو بعضاً من الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وربما كان لإختلاف المواقف تجاه ما حصل في مصر وإبعاد الأخوان المسلمين اثراً بيناً في هذه الشأن .. وعلى ذلك فإن حالة من الذهول بدأت بالبروز على المستوى الإقليمي وذلك بعد أن سجلت ايران انتصاراً واضحاً على المستوى الدولي بعد لقاء هولاند بروحاني والمكالمة الهاتفية التي تمت بين الأخير وأوباما الأمر الذي اعتبر تراجعاً امريكيا ونصراً ايرانياً صاحبه حيرة وإرتباك في الجانب العربي والتركي وغضب واضح في اسرائيل ... فالكل بانتظار ما ستكشفه الأيام من تطور وفي هذا المجال وإلى اين ستصل العلاقة الايرانية الأمريكية من جهة وأثر ذلك على العلاقات العربية الأمريكية من جهة أخرى.

- وفيما يتعلق بالنظام السوري فبعد أن تخلص من التهديد الأمريكي ولو مؤقتاً وبدء بفرض سيطرته في مواقع كثيرة على الأرض ن وانضمت سوريا الى معاهدة الحد من استخدام الأسلحة الكيماوية وستقوم راضية بتدمير سلاحها الكيماوي، وتيقنت من قوة حليفها الروسي بمواجهة أمريكا بالحد من جنوحها للعدوان، الأمر الذي دفع النظام السوري على لسان وزير خارجيته يتحدث بنفس المنتصر من حيث استعداده للذهاب إلى جنيف على أساس بقاء الاسد حتى نهاية ولايته بمنتصف 2014 وان الاسد سيخوض الانتخابات الرئاسية القادمة على قاعدة أن الشعب يريد ذلك علاوة على تشكيك النظام بتمثيل معارضة الخارج وقاعدتها الشعبية والحديث عن مشاركة المعارضة في الداخل في الحكومة الحالية من خلال وزراء يمثلونها في الحكومة وكأن ذلك كافياً لحل المشكلة...

وبعد ... فإنه يتبين مدى دقة وحساسية مؤتمر جنيف المنشود وهل سيكون هذا المؤتمر هدفاً بحد ذاته ونقول عندها لقد وصلنا إلى جنيف وحققنا هدفنا فيما يكرر حينها كل طرف مواقفه السابقة ونعود لنتفق على جنيف 3 أو جنيف 4 أو جنيف .. في الوقت الذي يستمر به الشعب السوري بدفع الحساب من دمه وماله، أم هل سيكون هذا المؤتمر بداية حقيقية لحل الأزمة السورية والتوصل إلى صيغة من التوافق الوطني يتفق من خلالها على خطوات واضحة تضمن مشاركة الجميع وتبدأ بخلق أمل جديد للشعب السوري للعيش بسلام والعمل على إنهاء آثار التقاتل والدمار الذي لحق بسوريا ... وهنا يمكن القول بإنه إذا لم يكن الجميع قد تعلم من كل ما حصل وقام كل طرف بالتمسك بمواقفه المعلنة السابقة فسنبقى في هذه الدوامة إلى أن يتم ما تنشده إسرائيل بتقسيم سوريا إلى دويلات لاحول لها ولا قوة ولكي تبدأ بعدها بلعب ذات الدور في مكان آخر ودولة أخرى، ولعل هذا الدور سيعتمد اعتماداً كبيراً على ما ستصل اليه علاقات أمريكا بايران والدور الإقليمي الجديد لها في المنطقة.

 

ابراهيم ابوعتيله

 

في المثقف اليوم