أقلام حرة

جثامين على الطاولة ..

ibrahim aboetaylaيوم أمس وبينما كنت أهم بأخذ قسط من الراحة بعد غداء دسم، وفي لحظة بين الصحو وبين النوم، إذ بي أسمع خبراً ربما يبدو عادياً لأغلب المستمعين، لكنه خبر شدني كثيراً ولفت انتباهي، خبر يتحدث عن جثامين شهداء فلسطين مجهولي الهوية، وكيف أن هناك حملة وطنية لاسترداد جثامينهم، كيف لا وهم في مقابر الأرقام لدى العدو الصهيوني يعرفهم العدو ولكنه يعرفه للآخرين بالأرقام، ربما كان هذا الخبر عادياً ولكن أن يكون موضوع هذ الجثامين الطاهرة على طاولة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية،،، فهذا ما استوقفني، ومن فوري بدأت بالبحث عن الموضوع وتيقنت من وجود تلك الحملة الوطنية لاسترداد جثامينهم،،،، اسرائيل بدورها لا تمانع وربما ترحب بذلك فذلك يخلصها من أثر فلسطيني جديد قدم نفسه فداءً لفلسطين ... ولكن المشكلة التي برزت بين المتفاوضين هي التعرف على هويات أصحاب الجثامين بحيث يصار إلى تسليمهم للمفاوض الفلسطيني معروفي الهوية والإسم ...

شدني الخبر،،، بدأت تفكيكاً وتقليباً بالموضوع وغرقت بالتحليل علني اصل إلى قناعة ما ... تنازعت الأفكار في نفسي ... بين فكرة خلاصتها أن من حق ذوي الشهداء استلام الجثامين، وبين افكار كثيرة مفادها أن هؤلاء الشهداء الأنقياء ما كانو ليضحوا بأنفسهم لولا عشقهم لفلسطين ولولا ايمانهم بحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى ترابه الوطني،، وهاهم قد عادوا إلى معشوقتهم، ودفعو أرواحهم ثمناً لهذه العودة، فإن لم يكونوا قد حققوا العودة لأبناء شعبهم فقد حققوها لأرواحهم الطاهرة ... فكيف ننزعهم من معشوقتهم .. أو ليس من حقهم أن يبقوا بين ذرات ترابها.. وترى ما هو الثمن الذي سيقدمه الطرف الفلسطيني في المفاوضات .. هل سيكون رمزاً أو إشارة من إشارات التخلي عن حق العودة بحيث تكون تضحيتهم ودفنهم المؤقت على أرض فلسطين زيارة من الزيارت التي اشار إليها رئيس السلطة الفلسطينية الذي أسقط من جانبه حق العودة حين قال بأنه ليس من حقه العودة إلى صفد وربما من حقه أن يقوم بزيارتها شأنه بذلك شأن أي سائح يزور المنطقة .... ولا أدري كيف برزت لدي فكرة وأخبار من يموتون في رحاب مكة الطاهرة كيف يتم دفنهم هناك دون أن يطالب ذووهم بجثامينهم، ولمَ لا يطالب المفاوض الفلسطيني بتحرير تلك الجثامين ودفنها في تراب فلسطين الطاهر الذي قدموا أرواحهم فداءً له، أوليست فلسطين طاهرة ألا تحوي المسجد الأقصى ( الذي باركنا حوله ) ربما يكون هذا هو الحل الوحيد الذي اعتبره مقبولاً بحيث يحفظ للشهداء قيمة شهادتهم وكأننا نقول لهم لقد عدتم إلى الأرض التي ناضلتم من أجلها فهنيئاً لأرواحكم بالأرض التي احتضنتكم ...

وتستمر الأفكار بالتزاحم ... غصت في تفكيري بعيداً ... هل سيقوم المفاوض الفلسطيني بطلب كل جثامين شهداء فلسطين منذ وجدت فلسطين، أو منذ إختلق العالم قضية فلسطين ومذ زرعوا السرطان الصهيوني على أرضها الطاهرة وكيف سيتم ذلك ... هل سيقوم الصهاينة برد جثامين هؤلاء الشهداء ... حتماً سيكون الرد المؤكد من بني صهيون بالنفي فجثامينهم قد تحللت واصبحت جزءاً لا يتجزء ولا يمكن فصله عن التراب الفلسطيني .. لقد اصبحوا جزءاً من تراب فلسطين العزيز الطاهر وهو ما لايمكن للصهاينة التخلي عنه بهذه السهولة ... فإن كانوا لايريدون إعادة تراب جثامين شهداء فلسطين منذ القدم، تلك الجثامين التي زادت من طهر تراب فلسطين طهراً على طهر بعد أن اختلطت به، فكيف نتفاوض على جثامين في مقابر الأرقام مكانهم الطبيعي في تراب فلسطين وبالقرب ممن سبقوهم في الشهادة ...

ربما لا يعجب حديثي بعضاً من ذوي الشهداء، ولكني أدرك بأنهم عندما يفكروا بالأمر، فإنهم سيطالبوا بتورية جثامين ذويهم في أرض فلسطين التي ناضل الشهداء من أجل تحريرها .. وربما كان الأمر الأدهى غضب المفاوض الفلسطيني فلو تم تسليم الجثامين فإن ذلك يعني إسقاط ورقة تفاوضية يعتبرونها قيد المنال وعنواناً للتفاخر والإنجاز الوهمي كما كان الحال في جولاتهم التفاوضية السابقة ... في ظل مفاوضات يغلفها ستار حديدي وكأنه ليس من حق أحد أن يعرف ما يدور فيها وإلى أين ستصل .. ولعلي لا أتجاوز حدود التخمين عندما أقول بأنها لن تحقق شيئاً من ثوابت الشعب الفلسطيني في القدس أو العودة أو الدولة وحق تقرير المصير .. لقد اصبحت في موقف أكره معه كل سباقات الماراثون من كثرة المفاوضات الماراثونية التي تجرنا إليها الصهيونية العالمية ... فالطريق إلى فلسطين معروفة لدى كل شعوب العالم التي سبقتنا بتحرير بلادها، ولعل في تجارب الشعوب الأخرى ما يفيدنا في تحرير فلسطين وتحقيق حق العودة إلى دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

 

ابراهيم ابوعتيله

عمان – الأردن

6/10/2013

 

في المثقف اليوم