أقلام حرة

عن الحالة الثقافية في غزة

غزة التي تعرضت الى أبشع الجرائم والمجازر الدموية لا تزال على ما عهدناها من قوة وصمود وصلابة ومقاومة. في غزة ثمة حالة ثقافية في مجالات الشعر والادب والصحافة والمسرح والفن التشكيلي والغناء الوطني الثوري الملتزم.

ومن قلب غزة وأزقتها ومخيماتها خرجت طلائع الشعر والأدب والفكر وفرسان الكلمة، وعلى رأسهم هارون هاشم رشيد وشاعر القنبلة والسنبلة والقلم النظيف، الشاعر المقاتل الراحل معين بسيسو، الذي هتف أمام الجماهير :

أنا أن سقطت فخذ يا رفيقي في الكفاح

وأحمل سلاحي لا يخفك دمي يسيل من السلاح

في غزة انبثقت بعد الاحتلال حركة ثقافية ذات ملامح واضحة وضعت نصب أعينها أهدافاً وطموحات، أبرزها: المشاركة في العملية النضالية والكفاحية لتعبئة الجماهير وتحريضها، والدفاع عن الهوية الوطنية الفلسطينية ومقاومة البطش والظلم والقهر والكبت والقمع الأحتلالي، وتسجيل النضال الوطني التحرري للجماهير الفلسطينية.

وهذه الحركة شهدت نهوضاً قومياً ووطنياً صادقاً، وتمكنت من اخراج الأدب من دائرة الخطاب الذهني العاطفي وخلق علاقة جدلية بين الانسان والواقع القهري اليومي المعاش تحت نير الاحتلال، والتعبير بوضوح عن الشخصية الوطنية الفلسطينية عبر أدب نضالي ملتزم امتاز بطابعه المتفاعل مع الهم الفلسطيني الجماعي والمعبر عن الحّس الشعبي العميق . وقد تصاعد الدور النضالي والكفاحي للحركة الثقافية في القطاع، وشكلت ركيزة أساسية من ركائز النضال الوطني التحرري والكفاح اليومي ضد الاحتلال وموبقاته وجرائمه المتواصلة، وقطعت هذه الحركة شوطاً كبيراً في مجال أذكاء وتنمية الوعي الوطني التقدمي، وتجديد علاقة الثقافة والأدب بالواقع اليومي المعاش، وكشفت جوهرية الألتزام في بناء وتشكيل الصرح الثقافي الوطني الفلسطيني المرتبط جدلياً مع هموم والام وعذابات وامال الجماهير الشعبية الكادحة المسحوقة، المؤمنة بحتمية وأفضلية التغيير رغم كل شيء.

وتلعب الطلائع الفلسطينية المثقفة دوراً بارزاً في تأطير ونمو هذه الحركة من خلال التطور النوعي بالشكل والمضمون المترافق مع اشراقة وطنية تقدمية، حيث تتضح فرصة الالتحام ما بين الأرض والانسان.

ومن أبرز الأصوات الأدبية المفعمة بالانبعاث التي ساهمت في نهضة وتطور واثراء المشهد الثقافي الفلسطيني في غزة، كل من : الراحل محمد خاص والراحل زكي العيلة، عبداللـه تايه، محمد أيوب، غريب عسقلاني، صبحي حمدان، وليد الهليس، باسم النبريص، صقر ابو عيدة،خالد جمعة، توفيق الحاج،رجب ابو سرية، أحمد دحبور، وغير ذلك من الأسماء .

ويشكل المخيم الفلسطيني بكل ما يحمله من قهر وتمزق وبؤس وتشرد بمثابة الشاهد اليومي والدليل على بشاعة المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته الحافز على المزيد من الانحياز والالتحام بقضايا وهموم وطموحات الجماهير الشعبية العريضة.

وحقيقة أن المبدع الفلسطيني في غزة يكتب من خلال المعايشة اليومية للجرح والعذاب اليومي وللواقع الفلسطيني، وهو يكتب عن القيم الحضارية، وعن المرحلة والحصار والدم المراق، وما يعمق صورة الانسان الفلسطيني وواقعه المأساوي ويدفعه الى الأعلى نحو ترسيخ هويته وتكريس حقه في الوجود والحياة والمستقبل في وطنه، وصولاً الى تحقيق هدفه وحلمه باقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني.وغني عن القول، أن المبدع الفلسطيني الغزي يغمس وجدانه في قضايا الناس وهمومهم ويتفاعل مع الأحداث، ويرفض منطق الهزيمة والاستلاب والتشرد، وهو يعطي للكلمة حجمها الحقيقي ويملأها بحرارة التعبير حين يطلقها متمردة، رافضة استخدامها كالأمة في قصر الخليفة.

وفي الاجمال،  الحركة الثقافية في قطاع غزة استطاعت أن تغرس جذورها في رحم الثورة الفلسطينية وتعميق الارتباط بالأرض والوطن والالتحام بالقضية العادلة وبحركة الجماهير وصيرورتها، رغم سياسة البطش والقمع والقهر وغياب الحرية.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1244 الاربعاء 02/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم