أقلام حرة

القراءة والمحادثه

ولكن بعضنا لايستطيع ذلك، فنجده يرمق الكتاب بأشفاق اذا هبط عليه زائر ممل أو ثقيل.وأظن ذلك من صفات الذين تعودوا الدقه في القول والفكر، فترى أحدهم يفهم الرأي مكتوبا أكثر مما يفهمه مقولا، وتجده أذا حدثته عن كتاب انتهى بأن طلب أن تعطيه ذلك الكتاب ليقرأه، وأذا سمع اذاعة، مرت به دون أن تترك أثرا قويا، ولكنه أذا قرأ مقالة هضمها هضما...

 

كثيرون منا يجدون أنفسهم في موقف محادثه يعجزهم، ولكنهم عندما يخلون الى أنفسهم ويراجعون ما مضى، تجيش قرائحهم بالافكار، وتتكاثر الحقائق والابتكارات المعنويه واللفضيه في أذهانهم، فيعجبون لم هجرتهم هذه كلها وقت حاجتهم اليها . فالعقل عند هؤلاء منظم يحتاج الى وقت يهضم فيه ما وصل اليه عن طريق الأذن، ثم

الى أخراجه أو أخراج نظيره عن طريق اللسان .كل هؤلاء يفضلون القراءه على المحادثه ...

 

ولا لوم عليهم في ذلك، فالكتاب الذي تتناوله للقراءه لايستعجلك ولا يظن فيك الظنون السيئه أذا أهملت صفحه من صفحاته أو فصلا من فصوله، أو أذا أغلقته بغيظ عندما لايعجبك ما فيه.ولكن من منا يجرؤ على أيقاف حديث محدث، أو التشاغل عن الاصغاء الى حديثه، أو أسكاته أذا كان لم يوضح قوله، أو أذا كان يتكلم عما لايلذسماعه أو أذا أغرق في السخف ؟أليست القراءه أسلم عاقبة من المحادثه؟ألا توافق الشاعر الذي يقول (خير جليس في الزمان كتاب)..

ولكني لاأقول أن المحادثه غير ضروريه من الناحيتين الفكريه والاجتماعيه فأذا قرأت كتابا أو سمعت محاضره أو شهدت مباحثه، رغبت في أن أحدث بذلك من أحب وأني أجد في حديثي تدعيما لما في ذهني من فكر وتصحيحا لما في نفسي من أثر، وتنويرا لما في قلبي من شعور، فالقراءه تكمل الانسان، ولكن هذا الكمال لابد له

من أخراج الى حيز يستفاد منه، وأخراجه يكون عن طريقين :المحادثه والكتابه فالقارئ الذي كملت نفسه بالقراءه، يحسن به أن يروض نفسه على المحادثه بأن يوصل ما عنده الى غيره، وأن يشاركه في أعاجيب الحقيقه وأفانين الفكر وآفاق الرأي .وأحسن من ذلك درجة أن يكتب القاريْْء الكامل نتيجة قراءته وخلاصة حديثه، أي أن يهضمه، ثم يقدمه مادة سائغه بلغة واضحة الدلاله متسلسلة الفكر.فالذي يقرأ ولايظهر حسن أثر قراءته في حديثه عاكف على نفسه غير منتج لغيره، والمحدث الذي يحسن أستعمال ما قرأ، يظل غير كامل النفع، أذا لم يضع أفكاره على ورق، فهذه الطريقه هي أضمن معيار للفهم والآفهام.....

 

جامعة ذي قار.... مركز أبحاث الأهوار

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1248 الاحد 06/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم