أقلام حرة

الإسلام والغرب: الترهيب المتبادل

تنظر بعين من الشك والريبة نحو كل من هو غير غربي، وقد يذهب البعض في الاتجاه المعاكس من ذوي النزعات الدينية للقول، نحو كل من هو غير مسيحي .

وأياً كانت النظرة الغربية نحو الإسلام، ونظرة الإسلاميين نحو الغرب، لا بد لنا من التفريق بين نظرة المسلمين ونظرة الإسلاميين، فالنظرة الأولى، تتصف بالشمولية، حيث لا يوجد أدنى تمايز أو تحزب في نظرتها غير الإيديولوجية، وإذا جاز التعبير، يمكن لنا وصفها بالنظرة المحايدة، بعكس النظرة الثانية، أي نظرة الإسلاميين، التي تشربت بالايدولوجيا السياسية، أكثر مما تشربت بايدولوجيا الدين، وشكلت لاحقاً تياراتها وجماعاتها الدينية - السياسية، كردة فعل مباشرة على الأنظمة السياسية القائمة في معظم الدول العربية والإسلامية، وغير مباشرة على الغرب الأوروبي الذي نعتته ولا زالت برأس الأفعى أو قلب المؤامرة، التي حلت عليها وعلى مشروعها الشمولي، مشروع الخلافة الإسلامية، نتيجة سنوات الاحتلال والاستعمار، حيث وأدت تلك السنوات مشروعها التاريخي المتمثل في إعادة إحياء الخلافة من جديد، بعدما غربت عنها الشمس في اسطنبول .

وبأي حال، يمكن لنا أن نصف نظرة الإسلاميين، بالنظرة الملتبسة، فهي لا تعي طبيعة أهدافها النهائية، وهو ما أدى بدوره إلى خلق حالة من الالتباس سكنت في دوائر عقل الغربي، وقد ظهر هذا الالتباس في صور وأشكال عدة، بعضها جاء على هيئة رسوم كاريكاتيرية ( أزمة الرسوم الدينماركية ) أو على شاكلة أفلام تسجيلية ( فيلم النائب الهولندي غيرت فيلدزر) أو من خلال الاستفساء على حظر بناء المآذن في سويسرا .

هذا عن نظرة الإسلاميين نحو الغرب، لكن بالمقابل، ماذا عن نظرة الغرب نحو الإسلاميين ؟ الجواب قد نجده لدى بعض النظم العربية، التي حمّلت الغرب وحده مسؤولية النفخ في قربة الإسلاميين، عن طريق احتضانهم وإيوائهم في أكبر عواصم الغرب، وفتح الباب أمامهم ليقولوا ويفعلوا ما يشاءوا تحت يافطة حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة، قد تكون هذه النظرة صائبة في بعض وجوهها، غير أن الجزء الأكبر من المشكلة يقع على عاتق النظم العربية التي لم تنجح حتى الآن في احتواء ظاهرة الإسلاميين الآخذة في التزايد والتصاعد على حساب الظواهر الاجتماعية الأخرى .

فالمحصلة التي وصلنا إليها اليوم، نتيجة العلاقة غير السوية بين الإسلاميين من جهة والنظم العربية والغرب من جهة أخرى، تنذر بمزيد من التباعد بين الشرق والغرب، وبذات الوقت توسع دوائر الصراع والصدام إلى أقصى درجة يمكن أن تصل إليها، والخاسر الأكبر في هذا الصراع الأجوف، المجتمعات الشرقية التي دفعت ولازالت تدفع أثمان هذا الصراع من كيانها الثقافي والسياسي، الذي أصبح مطية للإسلاميين وادعاءاتهم بالدفاع عنه .

إن التبعثر القائم في أهداف الإسلاميين، ألحق مزيداً من الضرر في واقع مجتمعاتهم التي انطلقوا منها، أكثر مما ألحقته النظم السياسية المستبدة، وأكثر مما حاكه أو يحيكه الغرب (بحسب تعبير الإسلاميين) وذلك حفاظاً على مصالحه الحيوية، فلا يعرف الإسلاميون في أي طريق يتجهون، الشيء الوحيد الذي يعرفونه أنهم ونتيجة التباعد العميق بين أفكارهم ومجتمعاتهم، يتجهون نحو المجهول في نظر مجتمعاتهم، ونحو التطرف في نظر الغرب .

فإذا كانت الخلافة الإسلامية أسمى أهدافهم، فهل من المعقول أن الغرب الذي صنفها ضمن أخطر دراساته للمسألة الشرقية، التي أخذت وقتاً وجهداً طويلين من قدراته حتى تمكن أخيراً من احتوائها، أن يعمل اليوم على إعادة إحياءها ؟.

ما يسعنا التأكيد عليه في هذا المقام، أن الإسلاميين فقدوا البوصلة في منتصف الطريق وليس في نهايته، مما يضفي على المسألة مزيداً من التعقيد والتشابك، فليست مشاريعهم ما يتناسب مع طبيعة مجتمعاتهم التي تسعى إلى المزاوجة الدائمة بين الأصالة والمعاصرة، ولا مع تحولات الحاضر ومتطلبات المستقبل، وإذا ما استمر هذا الالتباس بينهم وبين الآخر، فإننا قد نكون أمام تساؤلات عدة، أهمها سؤال الغرب، ماذا يفعل الإسلاميون لدينا، أو بصيغة أخرى، ماذا فعلوا ؟ .

حينها سنكون أمام فعلين متعاكسين في الاتجاه، لا أحد يستطيع تقدير تداعياتهما على مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب، ولعل ما يعزز من إمكانيات طرح مثل هكذا أسئلة مصيرية، اشتداد ساعد اليمين الغربي، بالتوازي مع اشتداد تجاهل الإسلاميين لخصوصية المجتمعات الغربية، الحاضن الأكبر لهم، فإننا سنجد أنفسنا في نهاية المطاف، أمام إرهابين متبادلين في نفس المقدار والاتجاه .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1248 الاحد 06/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم