أقلام حرة

العراق... والعقبات الثلاث

لتصل الى الصور والمراحل المقبولة وفق مناهجها المعدة مسبقا وحسب نتائج تجاربها المطبقة ايضا

 

في الديمقراطية التوافقية وعلى وجه الخصوص تلك المتبعة في اغلب دول الشرق الاوسط، هي تعتمد اسلوب العقبات-الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية والوزراء والبرلمان) المشرعة دستوريا، على اعتبار ان هذه التوزيعات هي تقسيمات تفرضها الارادات والحسابات الطائفية والقومية ورغبات الاثنيات الاخرى، وهي بالطبع ارادات غير وطنية لانها تشتت الولاء الاصيل وتفكك وحدة النسيج الاجتماعي وتخلق انطباعات وتصورات ضيقة ومحدودة الافق تجاه اعادة بناء وتطوير الدولة الموحدة سياسيا

 

فقد كان الكثير من السياسيين والشخصيات الوطنية العراقية قد دعت ودعمت مفهوم الدولة اللامركزية وذهبت ابعد من ذلك في طرحها لفكرة دولة الاقاليم (النظام الفيدرالي)، ثم تراجعت بعد ان تبين لها ان الديمقراطية التوافقية لايمكن لها ان تنجح مثل تلك المشاريع، فهي تريد تقوية الدولة المركزية اولا ومن ثم تهيئة الشارع العراقي وطنيا وسياسيا وثقافيا لكي يفهم معنى النظام الفيدرالي واسسه ومبادئه وتطوراته المستقبلية

 

لقد كشفت الاحداث الاخيرة المتعلقة بسن مشروع قانون الانتخابات البرلمانية العامة،  وماتبعها من احداث اخرى تعلقت ايضا بنقض مجلس الرئاسة لهذا المشروع الذي خرج الى النور بعدعملية قيصرية معقدة، بعد ان كانت فيها الاراء والمقترحات والنقاشات المتقاطعة صعبة ومختلفة ومتعددة الاهواء، فكل كتلة برلمانية تخضع اعضاءها الى برنامجها وحساباتها السياسية،  بأن النظام السياسي-الديمقراطي في العراق لازال هشا وضعيفا وتنقصه الكثير من مقومات البقاء والديمومة والتطور، وان الروح الوطنية التي تحكم مسار وتوجهات اخلاقيات العمل السياسي لازالت غير واضحة المعالم عند بعض الكتل المشاركة في العملية السياسية الحالية، وهذه مشاكل وعقبات كبيرة مرحلة منذ تشكيل مجلس الحكم، وستصبح ازمات مورثة للأنظمة والحكومات التي ستتشكل لاحقا

 

ان الاعتقاد السائد لدى بعض الكتل البرلمانية بأن مبدأ التنازل والتراضي بينهم (كمقترح تقليل وتعويض مقاعد البرلمان لبعض المحافظات) كفيل بأنجاح العملية الانتخابية وازالة اثار الازمات المتكررة والتي تنطلق وتنبع احياننا من بين التفسيرات الخاطئة لمواد الدستور ومن الخلافات النائمة تحت الجمر

ان الاستحقاقات الوطنية تحتم على الجميع ان يكونوا بمستوى المسؤولية لحماية تلك المكتسبات التي تحققت بدماء وصبر وتضحيات ابناء شعبنا المجاهد، والتي وفرت لنا فضاءا مقبولا ومشروعا من خلال اعطاء ابناء شعبنا  حرية التعبير والاختيار والانتخاب، وان تكون اغلب الاعتراضات والخلافات دستورية وقانونية وتصب في مصلحة الجميع دون تمييز، وان لايشم منها رائحة تنفيذ الاجندات والرغبات الخارجية او ان تكون مشروعا للكسب السياسي والدعاية الانتخابية

ان مبادئ الديمقراطية الصحيحة تحتاج الى تضحيات جسام واعمدة صلبة وبناءا متين، ولاتحتاج الى العقبات الثلاث التي ستعبر الى المرحلة اللاحقة بكل ثقلها واحمالها وامراضها،  لتقف من جديد بوجه التطور المشروع لمسارتجربة النظام  الديمقراطي السياسي الحديث، الذي بات يقترب من عقده الاول وهو يراوح عند بوابات التوافقات والمحاصصات الاثنية

 

مهدي الصافي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1250 الثلاثاء 08/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم