أقلام حرة

لا أمان في الغرب إلا بتجريم الكراهية والعنصرية

بغض النظر عن اللون أو العرق أو العقيدة، وما الخطوة التي أقدمت عليها سويسرا أخيرآ والمتمثلة بحظر بناء المآذن إلا تجسيدآ على أنحسار قيم العدالة ومفهوم حقوق الأنسان في المجتمعات الغربية بعد أحداث 11-9-2001 والهجمة الأعلامية الشرسة التي رافقتها والتي أستهدفت الأسلام كدين وجعلته في قفص الأتهام، ورغم أن هذه الخطوة صغيرة في ظاهرها لكنها عميقة في دلالاتها وتأثيراتها الجانبية وينظر لها الكثيرون بأنها بداية لخطوات كثيرة متعاقبة تستهدف مجموعة أو شريحة من هذه المجتمعات للتضييق عليها وأستفزازها ومحاولة أستغلال ردود أفعالها وأستثمارها أعلاميآ للترويج للكراهية وتأليب الرأي العام ضدها، وقد أرتكبت الحكومة السويسرية خطأ فادحآ عندما سمحت بإجراء مثل هكذا أستفتاء يمس عقائد الناس ودواخلهم وطرق تفكيرهم بحجة أن القانون يسمح بذلك وهي بالأساس أي الحكومة السويسرية لم تبذل جهودآ حقيقية ولم تشن أي حملة قوية في وسائل الأعلام لتعريف المواطن السويسري وتوعيته بخطورة مثل هكذا أستفتاءات تمس عقائد بعض الناس وتنتهك خصوصياتهم وتؤدي الى تأزيم الأوضاع في سويسرا نفسها علاوة على خلق وضع دولي مشحون ومفتوح على كافة الأحتمالات ورضوخ الحكومة السويسرية وموافقتها على هذا المطلب الغريب أي أستفتاء حظر المآذن والذي طالبت به مجموعة متشددة تؤمن بالتفوق العنصري وتتخذ من الكراهية ومعاداة الآخر شعارآ لها هي خطوة غير موفقة أضرت بسمعة سويسرا الدولية كبلد محايد ذو مصداقية من جهة ومن جهة أخرى ساهمت هذه الخطوة بشكل كبير في تعزيز مواقع المتطرفين في كل الدول الأوربية وهؤلاء يعتبرون ماحدث في سويسرا نصرآ سياسيآ كبيرآ لهم

 

ولذلك فلم تكد تمر ساعات قليلة على نتيجة الأستفتاء السويسري على حضر بناء المآذن حتى تلقفها ما يسمى باليمين الهولندي المتمثل بحزب الحرية وعلى لسان رئيسه المتطرف خيرت فيلدرز صاحب المواقف الشديدة العداء للأجانب عامة والمسلمين بشكل خاص، ففي مؤتمر صحفي عقده في هولندا طالب الحكومة الهولندية بأجراء أستفتاء مماثل لحظر المآذن في هولندا، وأكد فيلدرز بأن الهولندين سوف يصوتون لصالح رفض بناء المآذن كما رفض السويسريون ذلك وأضاف بأن التصويت يجب أن يشمل أيضآ حظر القرآن الذي قارنه بكتاب هتلر (كفاحي) وهو رد عملي حسب زعمه لمنع أسلمة أوربا،ويعلم الجميع دوافع هذا السياسي الذي لم يقدم أي جديد وليست لديه أية رؤية سياسية أو أقتصادية واضحة سوى بث بذور الخلاف والحث على الكراهية والتهجم على الآخرين وأزدراء معتقداتهم علاوة على الأضرار بسمعة هولندا في المحافل الدولية .

 

لا يمكن أن ينسى العالم بأن الديمقراطية المفتوحة التي ليست لها ضوابط وشروط هي التي أنجبت هتلر وجعلته في موقع المسؤولية الأولى في الدولة الألمانية وأول عمل قام به هو أستهدافه للأقلية الدينية والعرقية اليهودية ومحاولة إبادتها ما نتج عنه حرب كونية كلفت العالم عشرات الملايين من القتلى ودمار لا حدود له،لذلك فالسماح لحركات اليمين المتطرف الذي يدعوا للكراهية ومصادرة حقوق الآخرين بالظهور وأعطاءه مساحة كبيرة من الحرية في التعبير وحشد الأتباع له سوف تؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها

 

 

ولا شك بأن الجاليات الأسلامية في الغرب تتحمل أيضآ جزءآ من المسؤولية عن النظرة السلبية السائدة عن الأسلام عامة فهذه الجاليات أنغلقت على نفسها وفسحت المجال للأسلام الأصولي المتشدد ذو النزعة التكفيرية والفكر المنحرف الممول من بعض الدول العربية أن يصعد منابرها ويمجد ما يقوم به بعض المجرمين التكفيريين من أعمال دنيئة في العراق وبلدان أخرى شوهت وجه الأسلام الحضاري المعتدل، في مقابل ضمور صوت الأسلام المعتدل وأنزواءه وأكتفاءه بالتفرج في غالب الأحيان،علاوة على أن هنالك قصور وخلل في مسألة الأندماج والتكيف مع المجتمعات الجديدة تستغله الجماعات اليمينية وبعض وسائل الأعلام المغرضة التي تتصيد أي ردة فعل أو خطأ ما يقوم به أي أنسان بسيط ذو ملامح أجنبية وبصورة فردية في هولندا وغيرها على أنه من الكبائر ومسآ بقيم مجتمع وما الى ذلك من توصيفات ما أنزل الله بها من سلطان،ووسائل الأعلام هذه هي التي جعلت من فيلدرز وأمثاله يطمحون للوصول الى رئاسة الوزراء بعد أن أستطاع من تعبئة الغوغاء تحت شعار كراهية الآخر المختلف في اللون أو العرق أو العقيدة أو الثقافة .

 

لا سبيل أمام المهاجرين مسلمين كانوا أم غير مسلمين سوى التحرك السريع لتطويق تداعيات ما بعد الأستفتاء السويسري، وتنسيق المواقف لأبراز مظلوميتهم والضغوط النفسية التي يتعرضون لها وفتح قنوات أتصال مع الهيئات والمنظمات والجهات التي تتعاطف معهم وقبل فوات الأوان للمطالبة بسن قوانين تحفظ حقوقهم وتشعرهم بالأمان على مستقبلهم في البلدان التي يتواجدون فيها والتي أصبحوا جزءآ منها والتي يكنون لها كل التقدير، ولا بديل يشعر هؤلاء المهاجرين بالأمان والأطمأنان إلا بقوانين تٌجَرم الكراهية والعنصرية وأزدراء الآخر من أية جهة كانت أسوةً بعقوبة المجاهرة بمعاداة السامية .

 

حيدر مفتن جارالله الساعدي

[email protected]

 

 ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1250 الثلاثاء 08/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم