أقلام حرة

باراك اوباما وجائزة نوبل للسلام*

يقول المعلق السياسي السويدي لصحيفة (أفتون بلاديت) الواسعة الانتشار ولفغانغ هانسون:" يا الهي لماذا يُمنح باراك أوباما جائزة السلام؟ إنه لم يفعل شيئاً يُذكر حتى الآن! إنه لمن المبكر جداً. كنتُ قد تهيأت أن أكتب عن مرشحين عديدين ولم يكن أوباما بينهم."

وفي الوقت نفسه نقرأ تصريحاً للسفير السويدي السابق في الأمم المتحدة (بيير شوري) لنفس الصحيفة حيث يرى أنّ هذا قرار صائب لدعم رئيس الولايات المتحدة الذي يدعم الأمم المتحدة في حل مشاكل العالم سلمياً وحل مشكلة الشرق الأوسط اضافة الى استعداده لمحاورة أعداء امريكا أمثال كوبا وايران وهوجو تشافيز، وبذلك يعطي أملاً لعالم أفضل. فهو يختلف عن أسلافه من الرؤساء الذين كانوا منغلقين في قارتهم إذ انفتح هو على العالم.

ويذكر (كَنْت بيرسون) من حزب المحافظين أنه دُهش لمنح اوباما الجائزة مع أنه يحبّ اوباما، فجائزة نوبل للسلام تُمنح للأشخاص الذين قدموا شيئاً للسلام العالمي. وهناك آخرون غيره يستحقونها. 

وهنا لا بد أن نذكر أن صحيفة (آفتون بلاديت) السويدية كتبت في صدر صفحتها الأولى بالبونط العريض أن منح أوباما جائزة نوبل للسلام  نكتة!

بغض النظر عما قيل مع أو ضد منحه الجائزة فإن الرجل رئيس مختلف تماماً عمن سبقه من رؤساء الولايات المتحدة وخاصة سلفه جورج بوش الابن والذين كانوا يضعون مصالح الولايات المتحدة فوق العالم، وبذا كانت سياساتهم واستراتيجياتهم عدوانية هجومية ضد العديد من الأطراف والدول في العالم، وبخاصة العالمين العربي والاسلامي اللذين كانت امريكا تتعامل معهما على أساس أنهما عدوان مفترضان يجب التصدي لهما والوقوف بوجه توجهاتهما ومصالحهما، وهو ما خلق عداءً دائماً وتوجساً وحذراً تجاه الولايات المتحدة وسياساتها، والقضية الفلسطينية شاهد حي.

الرجل أوباما يحاول ان يغيّر من السياسة الأمريكية في العالم تغييراً كاملاً وبالضد من السابق ليكسب تعاطف وتأييد الرأي العام العالمي بعد العداء السابق والمعارضة الشرسة للعديد من الدول والشعوب.

لكن الاسئلة الجوهرية التي تطرح نفسها:

هل يستحق باراك أوباما جائزة السلام؟

ما الذي فعله حتى الآن خدمة للسلام العالمي؟

وهل تكفي النيات الطيبة لمنح مثل هكذا جائزة عالمية مهمة؟

وإذا كانت النيات كافية فملايين البشر وألاف الشخصيات المرموقة سياسياً وثقافياً وفنياً واجتماعياً ومدنياً والناشطة في العالم لديها نيات طيبة حقيقية أنصع وأخلص وأكبر من نيات باراك أوباما!

ما الذي قدّمه الرجل؟

هل توجّه فعلاً وبنية صافية لحل معظم المشكلات المعقدة في العالم؟

ها هي القضية الفلسطينية تتراوح في مكانها بل غدت أشد انغلاقاً واستعصاءً على الحلّ بمجيء الحكومة اليمينية المتطرفة وفي عهد اوباما والتي لاتعترف حتى بوجود شعب فلسطيني له الحق على أرضه!

وها هو اوباما يفكر ويخطط لزيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان!

وهاهو العراق لا تزال القوات الأمريكية جاثمة على أراضيه مع وعود بالانسحاب!

وها هي القضية النووية الايرانية لا تزال متأزمة وهناك اتجاه لفرض عقوبات اضافية على ايران؟

وهل يكفي أنه صرّح بنيته تجميد نشر درع الصواريخ في أوربا؟

جائزة نوبل للسلام تُمنح لمن قدّم شيئاً للسلام العالمي، أمثال نيلسن مانديلا الزعيم الافريقي الخالد الذي ساهم في حلّ المشكلة العنصرية في جنوب أفريقيا بالرغم من تاريخها الدموي البشع فساهم مساهمة فعالة بشخصيته الكاريزمية في نشر السلام الاجتماعي في بلاده.

وذلك القس الأمريكي مارتن لوثر كنغ الذي قدم حياته من أجل مبادئ السلام الاجتماعي ومقاومة التمييز في أمريكا الخمسينات والستينات من القرن العشرين حين كان التمييز العنصري على أشده.

وتلك الأم تيريزا التي قضت حياتها في قرية نائية في الهند ترعى المرضى والفقراء مجاناً وبتضحية انسانية لا مثيل لها ودون مقابل غير ايمانها بحق البشر المعانين في تقديم الخدمات والعلاج لهم جسدياً وروحياً.

وتلك الوكالة الدولية للأسلحة النووية ودورها في مراقبة النشاط النووي للدول للحيلولة دون استخدامها للذرة في صنع اسلحة دمار شامل.

والأمثلة كثيرة.

فاذكروا لنا بربكم ماذا فعل باراك أوباما من أجل نشر السلام في العالم غير محاولة تغيير وجه أمريكا البشع والمكروه بين الشعوب؟!

إن الذي يفعله الرجل هو تطبيق لاستراتيجية أمريكية جديدة بعد حقبة حكم المحافظين السيئة الصيت التي جلبت لأمريكا كراهية وعداءً عالميين. وليس ما يقوم به عملاً شخصياً أو نية طيبة فردية يحاول تنفيذها وهو جالس في البيت الأبيض. إنها سياسة واستراتيجية مرسومة سلفاً، فجاؤوا بشخص مقبول ومحبوب ومن أصل افريقي اسلامي لكسب تعاطف وتأييد الرأي العام العالمي مدعوماً بكاريزما جذابة لتمرير السياسات الجديدة بإدارة جديدة شابة تدعي العمل على التغيير. ولنتصور لوشعرت هذه الادارة وهذا الرئيس بخطرٍ ما من أي اتجاه كان ولو بالافتراض حينها سنرى الوجه الحقيقي.

 

عبد الستار نورعلي

السبت 10 اوكتوبر 2009

* نُشِر الموضوع في صحيفة (النصر) الجزائرية بتاريخ  الثلاثاء  20 أوكتوبر 2009 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1253 الجمعة 11/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم