أقلام حرة

منتظري.. الخليفة المعزول و"الأب الروحي" للمعارضة

وبرحيل منتظري (87 عاما)، يجمع خبراء وشخصيات معنية بالشأن الإيراني في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت"، على أن المعارضة الإصلاحية خسرت دعما معنويا وأدبيا وغطاء دينيا شكل سندا لهذه المعارضة في مواجهاتها الأخيرة المستمرة مع السلطة في طهران، بالرغم من أنه لم يكن له دور فعلي على الأرض في هذه المواجهات.

 

ولم يمنعه كونه مهندسا للثورة الإسلامية التي اندلعت عام 1979 من أن يختلف مع زعيمها حول سياسات الحكومة، وانتهاكات حقوق الإنسان، إلى أن أمر الخميني -الذي كان قد عينه نائبا له وأطلق عليه لقب "الفقيه الأعظم"- بعزله واعتقاله. ومنذ لحظة العزل تحولت صورة منتظري لدى الناس من شيخ قروي (الصورة التي كانت سائدة عنه في السابق) إلى رمز المعارضة والخلاص غير المرضي عنه من السلطات.

 

ولم تذكر وكالة الأنباء الرسمية (إيرنا) ووكالة فارس شبه الرسمية للأنباء لقب منتظري "آية الله العظمى" عندما أوردت نبأ وفاته واكتفت بذكر "السيد" منتظري، بينما قال التليفزيون المحلي إنه توفي "بسبب المرض والخرف".

 

كان منتظري مرشحا بقوة لخلافة الخميني، لكنه بعد وفاة زعيم الثورة امتدت معارضة المرجع الديني المعروف إلى خلفائه في القيادة الحالية وعلى رأسهم مرشد الثورة الحالي علي خامنئي الذي رفض منتظري مبايعته، بل واصل انتقاده والتقليل من كفاءته وأهليته للحكم، وهو ما أبقاه رهن الإقامة الجبرية في منزله لسنوات.

 

عزلة سياسية

 

وبالرغم من هذا الدور التاريخي المعارض الذي لعبه الرجل إلى جانب المناهضين للسياسات الحالية، يستبعد مراقبون أن يكون لغياب آية الله حسين منتظري أثر كبير في حركة المعارضة الإيرانية، باعتباره كان بعيدا عن الحركة السياسية طيلة السنوات الماضية، ولم يأخذ أي موقف يذكر باستثناء مواقفه التاريخية، وما كان يطلقه من تصريحات ضد الحكومة خلال الاحتجاج على نتيجة الانتخابات الرئاسية الماضية.

 

ويشير د.طلال عتريسي الخبير اللبناني بالشأن الإيراني، إلى أن "وضعه رهن الإقامة الجبرية لسنوات طويلة جعله بعيدا عن الناس بعدما منع من النشاط العام ولم يكن يصل إليه إلا تلاميذه وبعض الصحفيين". وتابع د.طلال أن القيادة الفعلية للمعارضة الإيرانية لم يكن من بينها الشيخ منتظري، بل علماء وقادة آخرون، خصوصا من يطلق عليهم "الروحانيون" ومن بينهم محمد خاتمي.

 

وفي المقابل، يرى صباح الموسوي الخبير الأحوازي بالشأن الإيراني، أن غياب منتظري "لن يؤثر على الحركة الفعلية للمعارضة، لكنه يبقى الأب الروحي لها، كمرجع ورجل دين عمل أستاذا في الحوزة العلمية".

 

وبمزيد من التفصيل يتحدث موسوي عن مكانة منتظري كـ"أب روحي" للمعارضة الإيرانية قائلا: "كان وجوده في صفوف المعارضة الإصلاحية في إيران قد أضفى عليها نوعا من الشرعية، كانت بحاجة إليها، وهو ما رفع عنها شبهة العلمانية أو الليبرالية التي سعى النظام إلى لصقها بقادتها وأبرز زعمائها مرورا بقاعدتها ومن يدعمها في الشارع الإيراني".

 

رمزية تاريخية

 

ويخلص الخبير الإيراني الأحوازي المقيم في كندا، إلى أن "غياب الرجل سيترك أثره في معنويات المعارضة وثقلها في الشارع وأمام النظام، وهي التي ما زالت بحاجة إلى مواقف داعمة من رجال دين بحجمه، وما كان يمثله من رمزية تاريخية في هذا الاتجاه".

 

 وذكر بأن منتظري ومنذ ظهوره في السنوات الأخيرة بعد رفع الإقامة الجبرية عنه شرع يلعب نفس الدور الذي كان يلعبه في عهد نظام الشاه، فأعطى المعارضة نوعا من الشرعية في مواجهة السلطة الدينية، بحيث صعب من مسألة وصفها بالعلمانية، خاصة أن قوى المعارضة ظلت حريصة على الظهور بالجانب الديني المعتدل. "لكن -يضيف موسوي- وبالرغم من غياب الرجل يبقى هناك عدد من المراجع ورجال الدين لا يستهان بهم ما زالوا يدعمون المعارضة ويوفرون لها الغطاء الشرعي في مواجهتها مع النظام".

 

ومنذ اندلعت أزمة الانتخابات الأخيرة في إيران والحوزة العلمية واقعة في حالة استقطاب حاد بين الإصلاحيين والمحافظين، وحين توجه وفد من مجلس صيانة الدستور للحوزة بناء على أوامر خامنئي في محاولة لنيل دعمهم لموقف المرشد، اختار عدد من المراجع الوقوف على الحياد بين الأطراف السياسية دون أن يميلوا إلى طرف على حساب الآخر.

 

وكان من بينهم: آية الله صافي كلبيكاني أحد أهم مراجع التقليد في الحوزة، وآية الله مكارم شيرازي، وآية الله وحيدي، وآية الله زنجاني، وآية الله أميني، وآية الله جوادي أمولي. من جانبه، مال آية الله علي منتظري وآية الله موسوي أردبيلي وآية الله صانعي إلى الإصلاحيين.

 

خلافات مع المحافظين

 

وكانت خلافات منتظري مع المحافظين في النظام منصبة حول السياسات الداخلية إذ كان يطالب بسياسات إصلاحية إلى جانب الاهتمام بحقوق الإنسان في البلاد، وهو ما كانت تصفه المصادر الرسمية بمواقفه التي "لم تكن تنسجم وروح الثورة". ومؤخرا أهدته منظمة حقوقية لوحا تذكاريا كأفضل مدافع عن حقوق الإنسان في إيران.

 

وفي أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت بعد نتيجة الانتخابات الرئاسية، في يونيو الماضي، وصف حسين منتظري المؤسسة الدينية "بالدكتاتورية" معتبرا تعامل السلطات مع الاضطرابات "يمكن أن يؤدي إلى سقوط النظام". كما انتقد دور الحرس الثوري (الباسيج) في قمع الاحتجاجات واصفا ممارساتهم التي تتعارض مع الدين بأنها تسير في "طريق الشيطان".

 

وقال في بيان رسمي له إن قمع المتظاهرين عمل "آثم" و"غير شرعي"، ورأى أنه يحق لكل شخص ضُرب من جانب عناصر حكومية "المطالبة بالتعويض". متسائلا: "بأي سلطة ضربوا الشعب؟"، خاصة أن الباسيج أُنشئت كي تعمل في إطار طريق الله، وليس الشيطان، على حد قوله.

 

ويحظى منتظري بمكانة خاصة لدى أهل السنة في إيران، لإيمانه بمبدأ الوحدة بين المسلمين وضرورة إزالة الخلافات بين الشيعة والسنة.

 

ولد منتظري في بيت صغير بمدينة (نجف آباد) القريبة من أصفهان عام 1922، كان والده فلاحا، ألحقه بالمدارس القديمة (الكتاتيب)، غير أنه ترك المدرسة بعد أن تعرض للجلد على يد أحد المعلمين، وبعد فترة، أرسله والده إلى أصفهان لتلقي دروس في الأدب. وفي عام 1937 وبعد بلوغه سن الـ13 عاما انتقل إلى مدينة قم؛ حيث نجح في امتحان للراغبين في الانضمام إلى المدارس الدينية في الحوزة، وممن كانوا يريدون ارتداء العمامة، ومنها انطلق في مسيرته العلمية في الحوزة.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1263 الاثنين 21/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم