أقلام حرة

الفكة .. دعاية انتخابية لمن؟

الحديدي الذي كان يعبر بخطاهم وبنادقهم ودباباتهم الى مرابض الجحيم، ووحدهم الجنود ايضا يعرفون ماذا تعني لهم سيطرة عبد العال، تلك السيطرة الشهيرة التي كانت بإدارة نائب ضابط من أهالي الناصرية قصير القامة وبوجه قنوط يحمل غضب الجنوب وقد إشتهر بإنضبطاه ودقته الغريبة والعجيبة بتفتيش شاحنات الجنود القادمة والذاهبة الى الجبهة، وذات ظهيرة وصلت لنا الأنباء ان  ثلة شاذة من الجنود المغامرين والملاعين تمكنوا من خداعه وإستطاعوا ان يمرروا من سيطرة عبد العال في سيارة الإيفا خمرتهم مع غانية معتوهة ظلت لأسبوع كامل تحت رحمة القصف وهم يمارسون متعتهم معها ؟؟ وحين وصل النبأ الى النائب ضابط عبد العال حاول الإنتحار لكن بعض الجنود من الذين كانوا برفقته تصدوا لمحاولة الإنتحار تلك، اجل أيها السادة ربما لايعرف الكثير ماذا يعني قاطع الفكة وكم من الجنود استباحت دماء احلامهم هناك ؟ واذكر في معركة الفكة الشهيرة والتي حصلت في نيسان من عام 1982 وكنت احد الجنود الذي اشترك في تلك المعركة، ان الإمدادت من الأرزاق لم تصل لنا بعد ثلاثة ايام من القتال مما ارغمنا على تناول الأعشاب البرية النابتة على السواتر كطعام لنا وشرب ماء الراديتر للدبابة، واذكر ان هناك شفرة نستخدمها نحن جنود الدبابات في مكالمتنا اللاسلكية، وكان حينها الضابط الذي بدبابتي يرسل موقفا الى مقر الكتيبة اننا بحاجة الى الموز ؟؟ وحين سمع احد الجنود  المشاة الذي كان بجوار دبابتي كلمة موز رفع بندقيته الى السماء وراح يطلق النار إبتهاجا لهذا النبأ .. وهو يخبر رفاقه من الجنود ان الموز سيصل لهم، فضحكت من اعماقي في تلك اللحظات التي كان الموت بها يشرب ويأكل بجسدي شيئا فشيئا، فهذا الجندي المسكين لايعرف ان الموز الذي طلبه الضابط انما هو في الحقيقة العتاد الذي كنا بحاجة اليه لأن ذخيرتنا منه قد نفدت، هذه هي الفكة ايها السادة .. واذكر بعد خمسة ايام من إشتباك عنيف مع الجيش الإيراني وقد إستتب الموقف لصالحنا أخيرا، ان احد القادة العسكريين زار منطقة المعركة وكان عبد الجبار شنشل وقبل ان يستمع الى ايجاز عن ظروف المعركة انحنى على الأرض وحمل قبضة من ترابها ثم جعله يتسرب من بين اصابعة فظلت كومة شظايا على راحة يده .. حينها قال لست بحاجة الى شرح عن المعركة ان كمية الشظايا المخلوطة مع التراب تفصح عن قساوة وعنف هذه المعركة . واليوم تتحول الفكة الى ورقة إنتخابية دسمة تلعب بعنفوانها اصابع بعض الساسة خدمة لمصالحهم الإنتخابية، اذ كان من المقرر ان يبقى ثلة الجنود الإيرانيين مع دباباتهم وراية بلادهم حتى نهاية شهر شباط في بئر الفكة النفطي ومن ثم يحدث إنسحابهم الدراماتيكي قبل الإنتخابات بإيام وبذلك يتمكن احد الأحزاب المتنفذة من تحقيق صدىً إنتخابي لدى الناس البسطاء، لكن تلك الخطة المفبركة تقهقرت نتيجة غضب الشارع العراقي ولم تحقق اهدافها بالشكل المرسوم لها، وتراجع للوراء رعيل الدبابات الإيراني الى مسافة خمسين مترا مع انزال راية بلادهم، ولأن الدبابات الإيرانية تراجعت لمسافة خمسين مترا فقط !!  فهذا يعني ان عيون العراقيين ستظل تراقب عن كثب ماذا يحدث بعد ذلك، والذي سيحدث ان هذه الدبابات ستتراجع الى مواقعها التي انطلقت منها قبل الإنتخابات بأيام .. والسب اظنه صار معروفا لجميع العراقيين الآن .. الم اقل لكم ان الاحتلال الكارتوني للبئر النفطي في الفكة كان دعاية إنتخابية واظن عرفتم الآن لمن هذه الدعاية الإنتخابية ولصالح اي حزب .. لكن السؤال الذي اطرحه بوجه السياسيين الأشاوس ومن دون مخاتلة .. ترى هل كنتم ستلعبون هذه اللعبة الإنتخابية الفجة لو كان احدكم قد اشترك في معركة الفكة ؟ والجواب هو : كنا نقول للذي يزامط ويزبد ويرعد قبل الدخول الى المعركة " يردس حيل الماشايفه " .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1264 الثلاثاء 22/12/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم