تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

الحمار وجلد الذات

يحتاج الإنسان أحيانا لانتقاد نفسه بشدة، وقد يصل ذلك إلى حد التعنيف مع ذاته، والسبب هو الشعور بالتقصير المفرط، وعدم إنجاز ما مطلوب منه، ومحاسبة النفس أمر ايجابي دائما، يأتي بنتائج جيدة إذا ما تعودنا عليه، وخططنا له مسبقا بشكل مستمر.

خلال فترة الصبا، رأيت في أحد الأيام حمارا، يجر عربه تعتليها كومة من أكياس الطحين، ودماءه تسيل على فخديه، والحبل المحيط بهما تحت ذيله، يزيد من جريان دمه، ليزيد من آلامه ومصاعبه، بينما يفاجئه سائقه، بجلده على جراحة بين الفينة والأخرى.

رق قلبي لحال الحمار، فطلبت من صاحبه أن يتوقف، وجئت له بدواة وشاش حتى أضمد جراحه، فحملق بي الرجل مستغرباً، ثم وافق على طلبي، ولما انتهيت من تضميد جراح الحمار، قال لي الرجل، "لا تتعب نفسك سوف تستمر الجراح".

فقلت له :"لماذا يا رجل؟ أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" فضحك مقهقهاً وقال: "بعض الناس لا ينفع معهم إلا الجلد والسلخ المستمر، حتى يؤدوا أعمالهم بشكل مقبول".

هذا الرجل لم يكن منصفاً مع الحمار، لكنه لم يتوصل لطريقة أخرى يتعامل بها مع حماره، فلو طبقنا تلك الطريقة على أنفسنا، بدلا من الحمار، لقلت خطايانا بشكل كبير، لأننا سننجز ما علينا بكفاءة عالية وفعالية كبيرة.

فمحاسبة النفس الأمارة بالسوء، أولى من محاسبة الغير، وفي جلد الذات فائدة أعظم من جلد الآخرين، وسلخ الكبرياء ومجابهة الأهواء، يزيد من تقديرنا لذاتنا، واحترام الآخرين لنا.  

إن ما حصل لبلدنا خلال السنوات الماضية من كوارث ومصائب وأزمات، هو نتيجة لعدم محاسبة المسؤول نفسه، وإطلاق العنان لها في توجيه الانتقاد المستمر للآخرين، ومحاولة تسقيطهم والانتقاص منهم دائما، ولأسباب سياسية واضحة، مما أدى إلى توليد العداوات وعدم التجانس معهم، وخلق جو سياسي مرعب.

المسؤولون والسياسيون وأحزابهم وبرامجهم؛ بحاجة إلى مراجعة دائمة ومستمرة، والتهذيب المستمر للأفعال والأقوال معا، وتقبل الآخر، وبناء جسور الثقة واستمرارية إدامة الصلة، وعليهم أيضا تحديد الطرق الناقدة للذات، وتقبل النقد بإيجابية.

جلد الذات عمل كبير وعظيم، لا يقوم به "الصغار"عادة، وهو متعب ومرهق للجسد، لكنه مروض للنفس، وصاقل الشخصية، وكما قال المتنبي "إذا كانت النفوس كبارا - تعبت في مرادها الأجسام".

 

 

في المثقف اليوم