أقلام حرة

كلنا نملك نفس العين .. لكننا لا نملك نفس النظرة !!(3)

hamid taoulostلقد تابعت باهتمام بالغ، كالغالبة العظمى من المغاربة، الخطاب التاريخي الذي ألقاه الملك محمد السادس خلال افتتاح السنة التشريعية في العاشر من أكتوبر، وأعجبت بمضامينه التي حملت في طياتها دعوة صريحة للاعتزاز بمغربيتنا والحرص على وحدتنا الترابية في ظل الهجمات المعلنة والغير المعلنة من قبل أعداءنا؛ وتتبعت اللغط والهرج الذي أثارته عبارة "اللهم كثر حسادنا" الواردة في الخطاب الملكي، والتي ملأت وسائل التواصل الاجتماعي التي تباينت مواقفها وتوزعت حولها بين من فند نسبة العبارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين من أثبت أنها حديث نبوي له سنده وصحته، وبين من اعتبرها دعاء صحيحا ..

وإني هنا، لن أخوض في مناقشة أصول العبارة ومدى صحتها أو خطئها، كما فعل من ركبوا سفينة أعداء وحساد الوطن، من محترفي المزايدات من أنصاف السياسيين والنقابيين والكتاب والصحفيين المستلبين مغيبي العقول، التابعين "جيلالة بالنوافخ"، الذين اعتادوا التغريد خارج كل الأسراب، ولكني سأستحضر فقط مضمون العبارة الذي هو دعوة للمغاربة للاعتزاز بانتمائهم لوطنهم، وحث على نبد سلوكيات الميل للتصغير والاستهانة ببلادهم التي تنعم باستقرار وأمن نفسي وحريات، وما تعرفه من سعي متواصل لتحقيق الديمقراطية والحكامة الجيدة، في ظل نظام ملكي متميز وفاعلية مشهودة للملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش البلاد، حيث كان ولازال هو الفاعل الأساسي في مسيرة التغير الجذري والانجازات الكبرى والآفاق المستقبلية في كل مجلات التنمية بما يبذله من مجهودات جبارة للارتقاء بالسياسة المغربية التي حدد لها معالم واضحة عبر ركائز أساسية تقوم على تمسك جلالته ووفائه للقيم الإنسانية المثلى، وإيمانه العميق بالتعددية والاعتدال والحوار والسلم والسلام والشرعية الدولية والاندماج الايجابي في محيطه الإقليمي والعلاقة المتوازنة مع شركائه الإقليميين والدوليين، وعلى الرغم من قيادة الملك محمد السادس لبلد يفتقد للموارد المتاحة لنظرائه من القيادات العربية، فقد بات من المتفق عليه لدى معظم المراقبين أنه انتزع لنفسه ولبلده مكانة رفيعة، وحقق لدبلوماسية الاتصال المباشر حيوية وحضورا مهما في السياسة الدولية، وفي التأثير على سير الأحداث في منطقتنا وفي إفريقيا، وظل يلعب دوراً يفوق أضعافا مضاعفة ادوار دول أخرى شقيقة ذات سكان وموارد وأموال طائلة، وذلك لأن النظام الملكي هو أحسن أنظمة الحكم التي تشكل دعامة استقرار للشعوب بما يتميز به من المزايا التي تفتقر إليها الأنظمة الأخرى كما يقول سمون الثاني ملك بلغاريا أن ذلك : ثبت بالدليل الساطع أن الملكية دعامة استقرار الشعوب، ويؤكده الفيلسوف السياسي " هوبز " معللا ذلك بقوله : إن مصالح الملك الشخصية مرتبطة بمصالح رعيته، الملك لا يمكن أن يتعارض مع نفسه أما حين تكون السيادة للبرلمان فإن المعارضة تكثر بين الأعضاء نتيجة للتنافس أو الحسد ..

إن المغرب، بلد محظوظ بملكيته واستقراره، إلى درجة أنه أصبح محسودا، حقده الكثيرون على ملكيته واستقراره، وعملوا على تشويه سمعته، تارة تحت دعوى فارغة باسم حقوق الإنسان، وأخرى للمساس بقيم وأخلاق شعبه .

لكن كثرة الحساد والمتحاملين على مغربنا ونظامه، لم يمنع، والله الحمد والشكر، عشاق المغرب والمعجبين به، أن يشهدوا شهادات حق لصالحه، لأن الحاسد يظهر فضل المحسود: كما قال كل من البحتري:

ولن يستبين الدهر موضع نعمة ... إذا أنت لم تدلل عليها بحاسد

وأبو تمام:

وإذا أراد الله نشر فضيلــة .. طويت، أتاح لها لسان حسود

ولولا اشتعال النار فيما جاوزت .. ما كان يعرف طيب عرف العود

شهادات لم تكن مجرد انطباعات إعجاب سائحين عاديين فقط -وإن كانت هي الأخرى شهادات جديرة بالاعتزاز في مجالها - لكنها كانت في عمق مضامينها آراء سياسية صادرة عن أناس كبار جالوا العالم، وعقدوا مقارنات بينه وبين بلدان عربية لا استقرار بها، ومن تلك الشهادات على سبيل المثال لا الحصر، ما صرح به الممثل البريطاني jeremy irons أن المغرب محظوظ بالنظام الملكي ضمان الاستقرار في ظل اضطراب الوطن العربي وما يعيشه من حال التطرف والقتل على الهوية، وشهادة حاييم مالكة، المدير المساعد لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجموعة التفكير الأمريكية الشهيرة “سانتر فور ستراتيجيك آند إنترناشنال ستاديز”، بواشنطن، الذي أشاد بتميز المغرب "بوضع فريد" في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بفضل مركزية مؤسسة إمارة المؤمنين، واعتبر في حفل تقديم مؤلف "جون بي ألتيرمان " "التطرف الديني بعد انتفاضات العالم العربي " أن ثمة عددا لا يحصى من العبر التي يمكن استخلاصها من النموذج المغربي في مجال إصلاح الحقل الديني، إصلاحات كرست مكانة المغرب كحالة "فريدة" بفضل مركزية مؤسسة إمارة المؤمنين التي يجسدها الملك محمد السادس"، وذلك لأن النظام الملكي دعامة استقرار الشعوب كما قال سمون الثاني ملك بلغاريا : وإنه ثبت بالدليل الساطع أن الملكية، لما تتميز بها الملكية من المزايا التي تفتقر إليها الأنظمة الأخرى. لكن الغريب في الأمر، أنّ بعضَ الكتاب والمتصيحفين المتسيسين المغاربة، يحلوا لهم التقليل من دور النظام الملكي، وإعلاء شأنَ النظام الجمهوري، ووضعه في مَصاف السّمواتِ العُليا، لأسبابٍ خاصّةٍ ومَجهولةٍ، ومَدسوسةٍ في كثير من الأحيان.

وأختم مقالتي بأنه عندما يصاب المرء بالعجز عن الفهم ويتأزم عقله عن استيعاب الحدث وفهم مجريات الأمور واللحاق بها، فإنه يقع في مأزق، ويفقد القدرة على التفكير السليم، ويصاب بشلل تام يمنعه من الإحساس السليم والرؤية الواقعيّة فلا تستيقظ له كرامةٌ ولا يصح له ضمير، و"كيعطيها "للحسد . اللهم أكثر من حسادنا لأنه كما قال ابن المعتز :

عادات هذا الدهر دم مفضل ... وملام مقدام وعزل جواد.

وقال غيره :

إن العرانين تلقاها محسدة ... ولن ترى للئام الناس حسَّادا

 

حميد طولست

 
 

في المثقف اليوم