أقلام حرة

فقراء الأمس .. فقراء اليوم

ahmad alkhozaiهل يهتم المواطن العراقي المعدم الفقير بما يدور حوله من أحداث سياسية واقتصادية، وهل تعنيه مصطلحات التوافق السياسي، والتهميش والإقصاء، وإعادة ترتيب البيت السياسي العراقي، وانخفاض أسعار النفط أو ارتفاعها، وغيرها من المصطلحات التي تعج بها الساحة السياسية والإعلامية العراقية .. وهل يشكل له فارق أن يحكمه هذا الحزب أو ذاك أو هذه الشخصية أو تلك، في ظل ما يعانيه فقراء العراق حاليا، إن كل هذه الأمور لا تدخل في حساباتهم أو تشغل تفكيرهم، بقدر احتياجهم لمن يوفر لهم الحياة الكريمة بعيدا عن ذل الفاقة والعوز، فقد جربوا كل المسميات السياسية التي تشدقت بفقرهم ووصلت على أكتافهم إلى السلطة والنتيجة إنهم ازدادوا فقرا، وتحول الآخرين إلى إقطاعي سياسة اغتنوا واكتنزوا على حساب هذه الشريحة المعدمة من الشعب، بالأمس القريب مررت بامرأة عجوز ضريرة تخطت السبعون عام من العمر، كانت تمد يدها طلبا للمال وهي تردد، (فقدت أبنائي الأربعة وجوع أيتامهم أخرجني بهذا البرد الشديد .. عذرا ياحسين جوعهم والعمى منعاني من زيارتك هذا العام)، كانت علامات الفقر والفاقة بادية بوضوح عليها وهي تتخطى طرقات السوق بعكازها طلبا للمساعدة، إن هذه المرأة وغيرها الملايين من الفقراء هم تعبير واضح عن حقيقة حاول أن يتجاهلها الكثيرين، أو أن يلتف عليها .. وهي إن فقراء الأمس هم لازالوا فقراء اليوم، وان هذه المرأة المولودة على ارض تعوم على بحر من البترول والتي فقدت أبنائها الأربعة بحروب وصراعات سياسية وطائفية صنعتها الإرادات السياسية الحاكمة من اجل مصالحها الشخصية والفئوية والحزبية ، لو توفرت على هذه الأرض جزء بسيط من العدالة والإنصاف لما مدت هذه المرأة يدها طلبا لرغيف الخبز تسد به رمق أيتامها .. ولكن لو سألنا هذه المرأة العجوز عن ماهية الحكم الذي تريده للعراق أو أي حزب أو شخصية تختارهما لهذه المهمة، فماذا سيكون جوابها .. اعتقد أنها ستختار (رغيف الخبز وزيارة الحسين) بديلا عن كل تلك المسميات .. أحب فقراء العراق الزعيم عبد الكريم قاسم، وهم لا يعرفون لأي مذهب ينتمي أو قومية ، غير إنهم أدركوا حقيقة واقعة هي انه جاء وعمل من اجلهم ... قال الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري (رض) .. (أينما ما ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك) .. إن الكفر الذي يولده الجوع والعازة ليس بالضرورة أن يكون بالله تعالى، بل قد يتخطى إلى الكفر بالانتماء للوطن وبالثوابت القيمية والاجتماعية وبكل ما هو قائم ويدخل سببا مباشرا بهذا الفقر ... فيا حكام العراق الجديد، إن فقراء العراق وأيتامه أمانة في أعناقكم ستسألون عنها في الدنيا والآخرة، كان رسول الإنسانية محمد (ص) يلقب بأبي الأيتام، وكان عليا (ع) يحمل الطعام على كاهله لفقراء المسلمين، وعمر (رض) يعس ليلا ليتفقد فقرائهم، وهم قدوتنا وقدوتكم كما تدعون، وان التاريخ يسجل، والذاكرة الإنسانية تستحضر ولن يرحما السراق والمتخاذلين .

 

احمد عواد الخزاعي

في المثقف اليوم