أقلام حرة

السحر يطرق أبواب دوائرنا الحكومية

ahmad alkhozaiشكلا السحر والشعوذة ظاهرة اجتماعية عرفها الإنسان بالفطرة نتيجة لحاجته لأمور بدت مستحيلة المنال لديه فذهب يسعى لتحقيقها مستعينا بالعوالم الغيبية وما وراء الطبيعة، في محاولة منه لتجاوز أسوار حواسه ومداركه الخمسة التي فرضتها عليه طبيعته الإنسانية، وسعيا منه لتخليص نفسه من واقع لاستطيع التعامل معه بما يمتلكه من قدرات ذهنية وجسمانية، لذلك تحول السحر إلى جزء من ثقافة الشعوب ومادة دسمة للنتاج المثيولوجي لها، وأصبح إعجازا للنبوة ودليل قائم عليها كما في قصة نبي الله موسى (ع) .. وقد تصدت الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى لهذه الظاهرة التي تفشت في أوربا القديمة وأصبحت قوة تنافس الكنيسة في سطوتها الروحية على المؤمنين بها، فنشأت طائفة الدومينيكان أو (صائدو السحرة)، وهم مجموعة من الرهبان الجوالين ظهروا في القرون الوسطى، نذروا أنفسهم من اجل القضاء على السحرة أينما كانوا، فقتلوا الآلاف حرقا وتعذيبا على الظن والشبهة، وامتلأت أقبية الكنائس آنذاك بعشرات العلماء والفلكيين الذين قتلوا بأبشع الطرق بتهمة السحر والشعوذة، إلى أن جاء عصر التنوير في القرن الثامن عشر وبدئت فلسفة تغليب العقل والمنطق هي الغالبة على الحراك الاجتماعي في أوربا، إلا إن ظاهرة السحرة بقت جزء مهم من الموروث الاجتماعي لمجتمعاتنا الشرقية على الرغم من ان عقيدتنا الدينية الإسلامية قد نهت عن مثل هكذا أفعال ... بقوله تعالى ( وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) .. وبقول النبي محمد (ص) .. (من أتى عرافا أو ساحرا كفر بما انزل على محمد) .. وعلى الرغم من التطور الذي شهدته البشرية في العقود الماضية إلا إن مثل هذه الأمور لا زالت تشكل عنصرا مهما عندنا، وأداة لتجاوز بعض صعاب الحياة التي نمر بها، وأخذت قنواتنا الفضائية العربية ووسائل إعلامنا تروج للسحرة والمشعوذين وتظهرهم ببرامج تلفزيونية يمارسون دجلهم على البسطاء من الناس تحت عناوين تضفي على نفسها طابعا دينيا مقدسا .. في إحدى وزاراتنا الكريمة حدثت مفارقة قد لا تبدوا غريبة إذا ما قارناها مع ما يحدث في العراق اليوم من أحداث فاقت الخيال بكثير .. حيث تم تعميم كتاب على جميع الموظفين في هذه الوزارة يحمل أوامر وتعليمات يمنع بموجبها من (ممارسة السحر والشعوذة) داخل الوزارة وبخلافه يعاقب كل من يقدم على هذه الأفعال بأشد العقوبات .. إن هذه الحادثة تشكل أنموذجا بسيطا لكمية الزيف والفوضى اللتان يعيشهما مجتمعنا العراقي في هذه المرحلة، وتكشف عن مقدار اليأس الذي وصل إليه الكثير من الناس وما يعانوه من كم هائل من المشاكل والتحديات في ظل هذا الظرف العصيب الذي نمر به، فأصبح اللجوء إلى السحرة حالة دارجة ومستشرية حتى في أروقة دوائر الدولة الرسمية، وحل السحر محل القوانين والأنظمة ولقرارات التي ينشدها المواطن من حكومته لحل مشاكله التي بدت مستعصية على الجميع الا على السحر والشعوذة، ليكونا هما آخر العلاج لأمراضنا الاجتماعية الناتجة من سفر طويل من الحروب والانتكاسات والأزمات، إن ما قامت به هذه الوزارة هو خطوة بالاتجاه الصحيح لوأد مثل هكذا ممارسات وهي في مهدها، لكن المشكلة في حد ذاتها تتطلب جهدا استثنائيا من جميع الفعاليات الرسمية والدينية والتربوية، للعمل على التقليل من معاناة الانسان العراقي والتخفيف من الضغوطات النفسية والمادية التي تقوده للجوء الى مثل هكذا امور، والتركيز على نشر الوعي الديني والثقافي الذي يتصدى لمثل هكذا ممارسات في بلد يعيش على هامش القرن الواحد والعشرين .

 

احمد عواد الخزاعي

في المثقف اليوم