أقلام حرة

ذهب البترول وأذهب معه العقول

badya shikatأينما نُولّي وجوهنا في الجزائر قِبَل الشمال أو الجنوب فثمة الفساد، العنجهية والإستعباد، فباتت هاته البلاد مجرد هباء تديرها سياسة خرقاء، طمست كلّ سليمٍ جميل، وأبدت كلّ قبيحٍ عليل، فما الغاز الصخري إلاّ واحدة من تلك السياسات الرعناء، التي تتحرك خبط عشواء، فتقلب الأرض سماء، ولأن مخاطر هذا الكنز المسموم، صار واضحا غير مَهين، بل هو للأعمى ظاهر مُبين، فقد أضحى لزامًا التحرك لتقريض معاول الهدم التي صارت لتعذيب هذا الشعب توّاقة، ولرضا فرنسا وأخواتها سباقة، فقد ضاق الخناق بالجزائريين الذين لم يبق لهم من هاته الحياة غير روح أرهقها الطموح، ونفسٍ كريمةٍ تود أن يكون لها وزنا وقيمة، بعد الذي كابدته مِن عناء ولأواء لنفض عوالق الذل والخنوع، فكيف اليوم يُراد لهذا الشعب أن يكون قربانا يتوشح الخضوع ؟ وكأنّه لعبة خشبية مجرّدة من الحقوق الإنسانية، التي تطمسها في كل مرة الفوقية والسلطوية، فهاهي الجموع من الجزائريين تخرج مِن كلّ حدبٍ وصوب، ولاآذان لها صاغية، وكل الضمائر عنها لاهية.

وماذاك إلاّ إشارة لكل لبيب، أنّ نظام الجزائر مازال يتبنى رؤى وآليات هرِمة جيوسياسية، في حين أنّ العالم قد تجاوزها منذ زمن بعيد، خاصة مع هذا التدفق السريع لوسائل النقل والإتصال، فباتت اللازمانية واللامكانية هي استراتيجية بديلة وحتمية ,

فالتفكير بمقاييس التقارب الجغرافي لخلق تحالف من شأنه صنع الثقل في موازين القوى العالمية، هي نظرة منقوصة لكثيرٍ من الواقعية، فلا يمكن بأي حال أن تكون يوما النّصَال لقاتليها حبالُ وِدادٍ ووِصال، فتلك دول قد ألِفت أن تجعل منا الجياد لكل الخطوب،

وما إن تُحقق بنا المصالح والمطامح حتى تصرف عنا الأنظار، وتغض الأبصار، فلا يهمها بعد ذلك إن طال علينا الغروب، أوضاعت بنا الدروب.

كما أنه إن أرادت الجزائر التغيير باتباع نفس النهج والمسير لتلك الدول، فإنها إضافة إلى كونها لاتُحسن الإبداع فهي للأسف لاتحسن حتى الإتباع ,

فتلك الدول لاتُقدِم على أي مشروع إقتصادي إلاّ إذا خضع لشروط ما يدعى بالتنمية المستدامة التي قررتها لجنة بروتلاند عام 1987، والتي نصت بنود توصياتها على ضرورة التكامل بين النظام الإقتصادي والبيئي، بسعي إلى تحقيق وتلبية حاجات الحاضر دون أي مساس بحاجات الأجيال القادمة على كافة الأصعدة الإقتصادية أو البيئية أو الأمنية، والتي حاولت بدورها قمة الأرض المنعقدة بريو دي جانيرو عام 1992 تكريسها، فركزت على أهمية ضبط تفاعلية الإنسان مع الطبيعة، بحيث لايضر الآليات الحيوية فيها، فبات لزاما خلق تكامل بين الإقتصاد والبيئة، باستخدام الموارد الطبيعية بشكل أكثر فاعلية، وبأقل أضرار بيئية، وينبغي في تلكم الحال أن يعكس ثمن السلعة في السوق كلفة إنتاج المادة الخام، وصولا إلى التخلص من نفاياتها، فنتجنب ما أسماه الباحث مارتن غريفيتس" مقاربة المهد إلى اللحد"

فباتت تلك الحسابات القديمة التي تنظر إلى تدمير غابات بأكملها هو زيادة في الناتج القومي حسابات سطحية، وهمية وليست ذات قيمة، فللتقدم معايير إستحدثت، فصار من الحتمي التمحيص في التناسب بين التوسع الإقتصادي والآخرالإجتماعي والبيئي

فبات من الضروري غربلة المفاهيم، والإهتمام بدور النخبة في البلاد، فلا ضير من تأسيس برلمان نخبوي كما هو البرلمان السياسي، لمعالجة كل المشاريع التنموية بأكثر علمية، عصرنة وموضوعية، وهو مايجعلنا نأسف لتلك الطاقات المغيبة في المهجر، والتي منها ما ذهب لاجئا هروبا من قمع واضطهاد، فبدل أن نستفيد من تلك الطاقات العملاقة والثروات الخلاقة، سلمناهم لدول عنصرية، لاتملك من الإنسانية المزعومة من قطمير، بل تراهم مجرد قوافل تسير، توردها المقاصد وتحقق بها المناشد

فالآمال تبقى دائما نحو التغيير، وليس القصد تغيير رؤساء، بل تغيير نظام حكم كامل، بات رثا باليا، تآكل كما يتآكل الحديد بالصديد، وما نراه إلاّ حري بالتجديد .

 

بــــــادية شكاط من الجزائر

 

 

في المثقف اليوم