أقلام حرة

بغداد تنزع عنها ثوب حظر التجوال

latif shafiqأصدرت حكومة الدكتور حيدر العبادي أمرا برفع حظر التجوال عن بغداد والمفروض منذ أثنا عشر عاما عليها، وبهذا القرار شعر سكان العاصمة بغداد بنفحة من رياح الحرية والتحرر من كابوس الرهبة والخوف من الظلام وابتعد عن شوارعهم وأزقتهم وبيوتهم التوجس الذي كان يراودهم خلال فترة الحظر، والذي كانت تبدو مدينتهم تحته مدينة أشباح ويخامرأهلها أحساس بأن هناك خطرا محدقا يهدد وجودهم يكمن خارج البيت متمثلا بخفافيش الظلام من لصوص وأرهابين ممن يزرعون العبوات الناسفة والسيارات المفخخة تحت جنح الظلام لتتفجر صباحا وتفتك بالآمنين والأبرياء .

إنني وبمناسبة هذا الانفتاح الجزئي والذي يبشر بمستقبل أفضل أقترح ولكوني واحدا من أبناء هذه المدينة الحبيبة وقد ولدت فيها كما ولد أبواي وأولادي وأحفادي فيها أيضا، وأنني ومن غربتي ووجودي خارج الوطن أرنو لبغداد دوما خلال رسوماتي وكتاباتي وأشعاري تدفعني الرغبة أن تعود لعهدها الزاهر وأزورها بأقرب وقت نافضا عن كاهلي وجع الغربة والثلج الثقيل، وسأكون سعيدا لو تحققت أمنيتي وهي بسيطة ولا تكلف شيئا ومنها إعادة معالم بغداد إلى ماضيها البهيج ولا يتم ذلك إلا بتعيين رجل أو امرأة من أهل بغداد ومن الذين عاصروها خلال عهدها الزاهر ويعرفان أماكنها وأسمائها   ومحلاتها ويتذكر أو تتذكر معالمها التي اندثرت والتي وصلتها يد الخراب والإهمال وتحولت إلى رمم وركام وأكداس من النفايات وتجاوز على معالمها المهمة الأغبياء والطارئون عليها.

وبرأيي أن أهم معالم بغداد والتي يمكن اعتبارها عصبها وقلبها النابض هي شوارعها المتميزة كشارع الرشيد وشارع النهر وشارع أبي نواس وشارع الكفاح وشارع السعدون إضافة إلى الشوارع المهمة الأخرى في مدنها المجاورة مثل الاعظمية والكاظمية والكرادة داخل وخارج، ولنبدأ بشارع الرشيد من بدايته من باب المعظم وإلى نهايته في بداية شارع أبي نواس وأهم معالمه المقاهي المعروفة منذ القدم أهمها مقهى كوكب الشرق أم كلثوم ومقهى الزهاوي والشابندر وحسن عجمي والبرلمان والبرازيلية ومن المطاعم التي يتذكرها روادها مطعم الجمهورية الذي كان يقدم الوجبات بأسعار زهيدة والمطعم الإسلامي ومطعم تاجران والمطعم الهندي وشريف وحداد والسولاف وعمو الياس، ومن المعالم الراسخة بالذاكرة السينمات وروادها ومنها سينما الحمراء والزوراء والرشيد والوطني وريكس وروكسي والخيام وحبذا لو يحاول المسئولون عن الاستثمار تشجيع المستثمرين واصحاب الأموال المكدسة في البنوك والجيوب لاستغلالها بمشروع إعادة الحياة إلى تلك السينمات وبأمكنتها الأصلية ليتذكر أهالي بغداد تلك الأيام الرائعة وخاصة بعد خروج العائلات منها في وقت متأخر من الليل وخلال الدور الثاني من عرض

الأفلام، وبمناسبة ذكر شارع الرشيد أتمنى على الأمين المقترح أن يجعل هذا المعلم ساطعا وبهيا ومنورا على الدوام من بداية الظلام وحتى الصباح وكعهده السابق وأن يشجع أصحاب المحلات والمخازن بالبقاء إلى وقت متأخر من الليل ليشعر الناس بأن الحياة بدأت تدب فيه من جديد وأن تعاد تلك المخازن العريقة والتي لازال أهل بغداد يتذكرونها بكل شوق وحسرة وبأسمائها السابقة مثل (اورزدي باك) وليس بأسم المخازن العراقية الباهت وكذلك مخزن حسو أخوان وعالم الطفل ومكتبة مكنزي التي تظم أحدث الكتب باللغة الأنجليزية ومحلات خياطة الألبسة الرجالية الشهيرة كمحل بلقيس لخياطة الملابس العسكرية والذي يلجأ اليه طلبة الكلية العسكرية عند تخرجهم برتبة ملازم ثان لخياطة بدلة التخرج الأنيقة وكذلك محل أحمد خماس لخياطة البدلات المدنية الأنيقة وغيرها من محلات الخياطة المنتشرة في شارع الرشيد. إن أحلى ما تقوم فيه أمانة بغداد الحديثة هو إعادة كنس الشارع والشوارع الأخرى بواسطة سيارات الكنس ذات الفرشاة الدوارة وغسله يوميا بواسطة سيارات رش المياه التي كنا نشاهدها ونركض أمامها أو بجانبها لكي يصلنا رذاذ الماء المنعش وخاصة في فصل الصيف الحار والذي تتصاعد من جرائه رائحة إسفلت الشارع الرائع .

إن ما يخص شارع الرشيد ينطبق على الشوارع الأخرى التي ذكرتها وأحياء معالمها المتمثلة بالمطاعم والمخازن والسينمات وأذكر منها فيما يخص شارع السعدون سينما أطلس والأندلس وسينما بابل أما فيما يتعلق بشارع أبي نواس فيتطلب إعادة الحياة إلى الكازينوهات على ضفاف نهر دجلة الخالد والتي كانت ترتادها العائلات البغدادية وتبقى فيها لوقت متأخر من الليل وخاصة في فصل الصيف لتتمتع بمنظر دجلة الخلاب وتتناول السمك المسكوف والذي تنتشر رائحته مع رائحة العنبة والخبز الحار في أرجاء المكان مما تجبر الجلاس على تناول وجبة شهية منها . أما شارع النهر فعلى المسئول عن جمال بغداد أن يعيد رونق هذا الشارع لتتمتع فيه الحسان والصبايا والشبان خلال تبضعهم بأحدث الموديلات المستوردة من الملابس والأحذية وتجهيزات الأعراس.

إن تقادم العمر بالنسبة لأكثر معالم بغداد وساكنيها القدماء ومنهم صاحب المقال أدى إلى غياب بعض الصور والأسماء وأتمنى من الباحثين والمؤرخين

أن يبادروا بآرائهم ومساهمتهم بإذكاء هذه المشروع بما لديهم من مقترحات.

فلو أردنا أن نعدد أماكن وأسماء المحلات والمخازن والمعالم الأخرى مثل الكرادة والعلوية وغيرها لتطلب ذلك صفحات كثيرة لا يتسع لها المجال، ولكنني أختم أمنيتي واسمح لنفسي وأنا أبن بغداد أن أسوق لها حلما رومانسيا ليرونقها ويعيد لها زمان الوصل بالأزل ويثير نكهة الماضي الحافل بالذكريات اللذيذة، وهذا الحلم هو أن يقوم المسئولون عن أعادة الروح لبغداد وذلك بقطع حركة مرور السيارات والمركبات الآلية الأخرى واعتبارا من الساعة الثانية عشر ليلا من منطقة الباب المعظم مرورا بشارع الرشيد وشارع أبي نواس وانتهاء بمنطقة الجادرية عند الجسر المعلق على ن يستخدم هذا المسلك للعربات التي تجرها الخيول والتي تعرف بالعامية باسم (العربانه) وأن يشيد لها مرآبان نظاميان أحدهما في ساحة الطلائع والأخر بعد الجسر المعلق قي الجادرية لانطلاق وإيواء تلك العربات وأحصنتها وبهذا نكون قد وفرنا المتعة وتشغيل أيادي عاملة ممن تهويهم هذه المهنة .

وأختتم مقالتي وأمنياتي بالقول:

وجع الفراق أمض بكياني     ولا أرض بغير بغداد مقاما لمكاني        

تبا لدهري وغدر زماني     والأقربين وما عاثوا بأحلى الأماني    

              

                       لطفي شفيق سعيد

              مدينة شروزبيري في 9 شباط 2015

في المثقف اليوم