أقلام حرة

القيصر ووقف روزفلت في القاهرة

hasan zayedلا أظن أن هناك من يختلف معي أن من فكر في هذا الأمر من أصحاب العقل الرشيد، لأن التصرف في ذاته تقف وراءه عقلية فاهمة للموقف، ومستوعبة لأبعاده، ومدركة لمراميه. وأظن أن من فكر في الأمر كان لديه رسالة، وواتته الفرصة لإرسالها إلي المرسل إليه المستهدف، وأظن أن الرسالة قد وصلت، وقد أصابت الهدف، ولا يبقي سوي استيعاب المرسل إليه لها. فالمسألة لم تكن عشوائية، ولا مجرد استعراض لمعالم سياحية، ولا مجرد تحقيق المتعة المستهدفة للضيف، ولا إظهاراً لمدي الحفاوة بزيارته، وإن كان كل ذلك مستهدفاً، وقد تحقق بالفعل. فمن القيصر؟. ومن روزفلت؟. وما وقفه؟. أما القيصر فهو فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي الذي يزور القاهرة هذه الأيام، بعد عشر سنوات من زيارته الأولي. أما روزفلت، فهو الرئيس الأمريكي تيودر روزفلت الذي رأس الولايات المتحدة في خمسينيات القرن الماضي. أما وقف روزفلت فهو برج القاهرة، أو برج الجزيرة. أما لماذا أطلق عليه المصريون وقف روزفلت ؟. فلأنه قد جري بناءه بأموال أمريكية أرسلها الرئيس الأمريكي للرئيس المصري جمال عبد الناصر. وقد فعلها الرئيس الشاب جمال عبد الناصر ليعلم المصريين، ويعلم الإمبراطورية الأمريكية الوليدة ـ وريثة الإستعمار القديم ـ دروساً. فالولايات المتحدة الأمريكية قد أرسلت مع حسن التهامي مستشار رئيس الجمهورية في حينه حقيبة بها ستة ملايين جنيهاً مصرياً، تحت مسمي مساعدة لرؤساء الدول الصديقة بحسب المعلن. وكان القصد منها التأثير علي الموقف المصري المساعد للثورة الجزائرية ضد الإحتلال الفرنسي، بالكف عن مساعدتها ومساندة ثوارها، أي التأثير علي القرار والإرادة السياسية المصرية، في هذا الوقت المبكر من عمر الثورة، والجمهورية الوليدة. ورغم أهمية هذا المبلغ الضخم ـ في ذلك التاريخ ـ للجمهورية الوليدة، وبنيتها الأساسية، ومساعدة رجال الثورة علي تثبيت أركان حكمهم للبلاد. إلا أن عبدالناصر الشاب أعلن برفضه لهذه الرشوة بأن الإرادة المصرية ليست معروضة للبيع، وليست قابلة للشراء. وأراد أن يلقن الأمريكان درساً قاسياً، رغم أن العلاقة المصرية الأمريكية لم تكن قد ساءت بعد. فأمر ببناء برج القاهرة. وهو يعد تحفة معمارية رائعة، تم تصميمه علي شكل زهرة اللوتس، رمز الحضارة المصرية القديمة، الضاربة بجذورها في أطناب التاريخ، وتعد محطاً لأنظار البشرية كلها. وفي ذلك رسالة بالغة من واحدة من أقدم الحضارات الكونية، إلي الحضارة الأمريكية الوليدة، لها رمزية، ولها دلالة ، وقد استوعب الأمريكان الرسالة، ووعوا الدرس، ولذا نجدهم قد أطلقوا علي البرج مصطلح: " شوكة عبد الناصر "، إلا أنهم قد فاتهم أن عبد الناصر هو ابن هذه الأرض، ونبت هذه الحضارة. وفي برج القاهرة دلالة علي أسلوب تعامل أمريكا مع العالم علي أساس لا أخلاقي يقوم علي الرشوة، وشراء الذمم، والإرادات. وفضلاً عن أن الوقوف علي قمة البرج تتيح رؤية بانوراما كاملة للقاهرة، إلا أنه كذلك يتيح الإطلال علي السفارة الأمريكية بالقاهرة.

 

في المثقف اليوم