أقلام حرة

هل يمكن الحديث عن حكومة مصلحة وطنية في غياب تام للوضوح والشفافية؟

alarabi benhamadiبدأت اشك في كل ما ينشر عن ظاهرة الإرهاب بتونس .. فالغموض أصبح سيد الموقف. فنحن لا نعلم متى يُغلق ملفا الشهيدين شكري بالعيد و الحاج محمد الابراهمي، بعد أن مرت الشهور والسنون على اغتيال هذين الرمزين السياسيين التونسيين الهامين. فهل سيتم ذلك بعد غلق ملف اغتيال جون كينيدي الرئيس الأمريكي الذي ذاع صيته في الستينات من القرن الماضي؟ .. لقد أصبحت ظاهرة الإرهاب بتونس مستعصية على الفهم، لا على العامة فحسب، بل كذلك على الخاصة. فما هو التنظيم او التنظيمات او الجهات التي تقف وراءها؟ فرغم تعدد و تواتر تدخلات السيد محمد علي العروي، الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، عبر وسائل الاعلام المختلفة، فان المواطن لا زال ينشد الحقيقة.

لقد أصبح الإرهاب بتونس أكثر غموض من الظاهرة الداعشية. فظاهرة داعش على تعقيداتها، فهناك من يقف خلفها وينطق باسمها، على عكس ما هو حاصل ببلادنا. ولقد خلق هذا الغموض بلبلة لدى المواطنين، فانقسموا الى فريقين: فريق يحمل حركة النهضة المسؤولية في استفحال هذه الظاهرة وفريق يتهم المنظومة القديمة بالوقوف وراءها.

لكن لا يمكن فهم هذه الظاهرة دون الوقوف عند الماضي التونسي و ما يحصل في العالم.

فهذه بعض الوقائع التي تطرح اكثر من تساؤل.

الواقعة الاولى هي العملية الاستعراضية التي تم خلالها اغتيال القائد الفلسطيني ابي جهاد، في انتهاك صارخ لحرمة بلدنا. وحسب المعلومات التي باح بها الجانب الصهيوني، فان هذا الاخير شعر بخطورة الرجل لما يحمله من افكار أججت الداخل الفلسطيني، فقرر التخلص منه. وفي 16 افريل 1988 تم انزال20 عنصرا من الموساد من اربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عموديتين للمساندة على شاطئ رواد قرب ميناء قرطاج، في الوقت التي كانت اتصلات عملاء الموساد على الارض تنقل الاخبار عن تحركات أبي جهاد. وبوصوله لمنزله، بعد اجتماع بقيادته، توجهت هذه القوة الكبيرة الى مكان إقامته، الذي لا يبعد كثيرا عن مناطق سيادية، فقتلت الحراس ثم توجهت الى غرفته وأسكنت في جسمه عشرات الرصاصات ثم عادت الى قواعدها سالمة، بعد التأكد من وفاته. فهل يعقل ان يتم كل هذا في غفلة من أجهزتنا الأمنية، التي لا تغفل عن دبيب نملة عندما يتعلق الامر بامن الحكام؟

الواقعة الثانية هي لغز هروب او تهريب زين العابدين بنعلي. فالراويات عن هروبه تعددت وتشعبت، والذي زاد الطين بلة، هو صمت هذا الاخير الذي قد يكون نتيجة ترتيبات تمت بين فاعلين تونسيين ودوليين.

الواقعة الثالثة هو صمت بعض الرموز التي تصدرت المشهد التونسي قبل الثورة وبعدها ، لعل من ابرزهم الوزير الاول في عهد بن علي، المعمر محمد الغنوشي ورئيس الاركان رشيد عمار. لقد اختفيا كالملح في الماء دون ان تطلهما العدالة سواء بالسلب او الايجاب، عكس رموز اخرى اقل اهمية.

الواقعة الثالثة هو تداعيات اجتماع باريس بين الشيخين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي، لعل تشكيل حكومة السيد الحبيب الصيد احداها.

الواقعة الرابعة هي قضيية شهداء وجرحى الثورة، فالمحاكمات لم تكن مقنعة وتمت في نطاق محاكم عسكرية، كما لم تنقلها وسائل الاعلام على المباشر رغم اهميتها في تاريخ تونس.

الواقعة الخامسة هو تسريب السلاح من طرف حكومة الباحي قائد السبسي الى خصوم معمر القذافي. فهي عملية لا تزال غامضة وشلت قدرات الجانب التونسي على الوساطة بين الفرقاء الليبيين.

واخيرا لا اخرا هو لقاء جون ماكين بقائد السبسي والصيد والغنوشي، الذي عبر عن اعتزازه بزيارة تونس في يوم تاريخي تشكلت فيه حكومة منتخبة تونسية، ووعد بجعل تونس نموذجا في الوطن العربي.

ان الوقائع المذكورة انفا وغيرها جعلت من تونس، الصغيرة بحجمها، كبيرة بالغازها ومناطق الظل فيها. فعندما يصرح احدهم ان الدمار الذي خلفته حكومة الترويكا بقيادة النهضة يتجاوز ما خلفه نظام ن علي، يفهم من ذلك، ان هناك ارادات محمومة، تسعى جاهدة لخلط الاوراق وطي صفحة الماضي القريب والبعيد منه.

لكن رغم ذلك فنأمل ان لا تكون حكومة الحبيب الصيد بقيادة نداء تونس وبمباركة النهضة، حكومة طي صفحة الرش، بولاية سليانة، مقابل طي صفحة الرصاص الحي، بولاية تطاوين، وبذلك يُغلق ملف العدالة الانتقالية وتغيب الحقيقة، في انتظار جولة اخرى من الثورة التونسية.

 

العربي بنحمادي

تونس

في المثقف اليوم