أقلام حرة

قادة شعب ام تابعون؟!

diaa alhasheemيستغرب المرء من ظاهرة السفر المتكرر لقادة السلطات التنفيذية والتشريعية في العراق الى الخارج، والعراق والعراقيين منشغلين في حالة حرب مع عدو مجرم وغاشم كل همه سفك أكبر كم من دماء الأبرياء والمستضعفين والشرفاء من أبناء هذا الوطن. ويستغرب العراقي اليوم اللامبالات التي يمكن اعتبارها ظاهرة اخرى من سمات تلك القيادات وهي ترى بام اعينها نزيف الدم العراقي في مناطق عديدة من شمال العراق الى جنوبه وهي تكاد تكون مكتوفة الايدي لا تحرك ساكنا ولا تقدم حلا غير ركوب طائراتها الخاصة والسفر لبلدان الغرب والعرب. فمن طهران الى فرنسا ومن فرنسا الى سويسرا ومن سويسرا الى المانيا ومن المانيا الى دبي وهكذا هي سفرات القائد العام للقوات المسلحة العراقية ورئيس مجلس الوزراء الذي شابه غيره في هذا السلوك الذي لا نستغربه من غيره، لانهم كانوا متقوقعين في منطقة واحدة ولم يسافروا ويروا العالم الا مرات قليلة بخلاف السيد حيدر العبادي الذي كان يعيش في اوروبا وتحديدا في المملكة المتحدة قبل سقوط نظام صدام عام 2003.

ليس هذا هو دأب رئيس السلطة التنفيذية وحده، فالآخرين من أمثال رئيس السلطة التشريعية ورئيس الجمهورية ونوابه قد نراهم يتحيلون الفرص للسفر الى بلدان لا يعلم العراقي ما السبب وراء تلك الزيارات وهل فيها حقا خدمة للعراق ؟ سافر مثلا السيد الرئيس فؤاد معصوم الى مملكة آل سعود لتقديم العزاء بوفاة ملكها الراحل عبدالله ومن خلفه جيش جرار من النواب والمرافقين وكان العراق رسميا يتطلع الى بناء علاقات جديدة يسودها الاحترام المتبادل مع المملكة التي لم تقف يوما موقفا مشرفا مع العراق طيلة عقود من السنين، وقلنا عسى ان تكون هذه الزيارات فاتحة امل في فتح صفحة من العلاقات والتفاهمات لايجاد صيغ من التعاون المشترك بما يخدم شعبي البلدين . ألا أننا نستغرب زيارة رئيس الجمهورية الاخيرة الى قطر التي ليس لها مع العراق اي تبادل تجاري او ثقافي وانما فقط تمثيل دبلوماسي وقد خفضّت وزارة الخارجية التمثيل الدبلوماسي العراقي في دولة قطر من سفير الى مستوى سكرتير ثالث قبل عامين، ناهيك عن موقف حكومة قطر الداعم للتنظيمات الارهابية التي تقاتل العراقيين او تلك التي تعيث فسادا وتقتيلا في سوريا وكذلك موقف حاكم قطر الرافض لانعقاد قمة عربية في بغداد والتدخل السافر في الشؤون الداخلية للعراق لما يعتبره حكام قطر من حق في الدفاع وعدم الرضى من ما يحصل من تجاهل للسنة في العراق، وكأن سنة العراق هم أحفاد موزة او حمد وليس ابناء العراق الذين يمثلون نصف الحكومة العراقية.!!

قد لا تكون زيارات الرئيس خارج العراق وان تكررت بقدر الاهمية مقارنة بعدد تلك الزيارات التي قام بها رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية وقد يكون السبب الاهم وبلا استغراب، أن مسؤوليات السيد العبادي في الوقت الراهن تتطلب مزيدا من التواجد في داخل البلد ومع ابناءه المقاتلين في الجيش العراقي ومتطوعي الحشد الشعبي داعما لهم ومحفزا برفع الحالة المعنوية وموجها لهم باعتباره القائد الاعلى لهم في سلم القيادات العسكرية وتلك لعمري هي صفات القادة وهكذا لابد ان تكون القيادة وكيف لا وهي المقدرة على التأثير وتحفيز الأخرين بالقيام بمهامهم على افضل وجه لتحقيق الاهداف المرجوة . فالمتابعة الشخصية وان لم تكن ميدانية، هي الحل في السيطرة على تلافي المشاكل الامنية والطريق لانجاز الخطط باقل التضحيات والمساهمة في انجاز تحرير كل ذرة تراب عراقية نجسها اقذر ما خلق الله من المرتزقة التابعين لداعش . واذا كان السيد العبادي يدرك حقا معنى القائد العام للقوات المسلحة العراقية فالاجدر به التوجه الى تفقد ابناءه المقاتلين وتلبية احتياجاتهم وماينقصهم ويشحذ هممهم لا السفر الى الخارج في كل حين يلبي دعوة من هب ودب وكأن الدنيا والعراق معها ستؤول الى دمار اذا ما رفض او كلف احد نوابه بالسفر نيابة عنه لحضور كرنفالا في دبي . نعم كان سفره لقمة دافس في سويسرا ولدول عديدة مثل روسيا والمانيا وفرنسا وبريطانيا لها مايبررها من الاسباب ودرجة الاهمية ولكننا نشكل عليه سفره ولو يوم واحد لدول وان كانت قريبة جغرافيا ولكن الهدف من الزيارة لا يبرر ترك العراق وهو جبهة مفتوحة مع أعداء الانسانية والخطر يهدد حدوده وابناءه في كل يوم، بل وفي كل ساعة ولحظة .

القيادة تكون في جانبها المشرق نوعا من التحفيز والرعاية وتنمية الكفاءات ودعم المخلصين بالتواصل معهم في الزمان والمكان ليقوم العسكري والمدني بواجبه بقدر من الاهتمام والاخلاص ويضحي وهو مطمئنا بأن وراءه قادة اصلاء يشعرون بما يقدمه من انجازات على ارض المعركة او ميادين العمل ويشعرونه بأنه قيمة عليا في هذا الوطن واساس كل مفخرة او منقبة تسطر في سجل تأريخه وحضارته. لا اقول أن المتابعة يجب ان تقتصر على المقاتل في ساحة الوغى وانما هي مطلوبة ايضا في جميع الميادين فالموظف الحكومي لابد من متابعته ليكون ملما بمفاهيم القيم الانسانية والتنظيمية التي تجمع الطرق والقواعد العامة المتبعة في تنفيذ سياسة الدولة من اجل خدمة افضل لمواطن الدولة وليس لمواطن الكتلة او الحزب او المنظقة او الطائفة او القومية .

في المثقف اليوم