أقلام حرة

العربي بن مهيدي (شهيد الشمس الساطعة)

fatimaalzahraa bolaarasيا فتى الشهادة العربي .. في صورتك السنية يا ابن مهيدي يتلألأ النور على جبينك العالي، من ضوئه البهي استلتْ أنامل العذارى الماهرة خيوط الشمس لتحيك بها أزهارا قانية على مفارش الأحلام، وأشكالا ملونة على وسائد الأماني في الليالي الحالكات بظلمة القهر والعبودية،

من نظرة عينيك الصافية غزلت الفاتنات سبائك لا شبائك (لأنك كنت تكره القيد والشرائك) لأحلامهن الوردية الملونة بلون الدماء، من ابتسامتك المشرقة استعارتِ الشمس ضحكتها الصافية، وألقها الصافي، عاجزة من أن تردفها باستهزائك من الظالمين وأن تلونها بتلك النظرة التي تحدّيْت بها المحتلين وهززت بها ما كانوا يتظاهرون به من الشجاعة الزائفة أمام العزل والنساء والأطفال

يا رجلا صنع التاريخ

مواكب الرجال تتوالى في دروب التاريخ المضيئة يصنعها وتصنعه وأنت على رأسها من السابقين تكتبه بالدم لا بالقلم ، وتدوّنه بالروح لا بالحروف ،وتسكب على صفحاته شبابك اليافع وجمالك الرائع وحبك للحياة فتعيش عنفوانها إلى الأبد وتقضي في أوج البطولة وقمة الأحلام

تاركا للوطن الفخار وللعدو الانبهار،

يا رجلا من زمن الرجال

كم كنتَ بطلا وأنت تواجه بصدرك مصير أمة، احتضنتك صدور كل الأمهات فيها، واحتفظت بك ليوم الكروب تستدني منك الشجاعة و البطولة وتطعمها لأبنائهن عند احتدام الخطوب، وعشقتك قلوب كل صباياها واحتضنتك أجفانهن الني لم تغمض على الأحلام منذ داسه المعمر بقذارته ودنسها المستدمر بأوساخه ، كم كنت بطلا وأنت تحمي بظهرك حرية وطن كنت له عبدا فكان لك سؤددا ومجدا، وكنت فيه دماء فزاد قدرك إعلاء، كم كنت بصيرا وأنت تلقي بالثورة إلى الشعب الذي كنت تدري أنه متلهف لخوض غمارها وقطف ثمارها فاحتضنها كما قدّرتَ وأذكى جذوتها كما بصّرت وكان لها ظهرا وبطنا ولم ينفصلا حتى بعد النصر،

كم كنت شجاعا أمام جبناء يتفنّنون في تعذيبك، ويتخفّون في أوسمة من رماد، وألقاب من غبار،جمعوها من بطولات زائفة وأكاذيب مختلفة وصولات وجولات دونكيشوتية رقصوها هنا وهناك

، كم كنت حكيما أمام متظاهرين بالحكمة التقطوها بقاياها من سِفْرك الذي كتبته بأيديهم وهم غافلون لأنهم كانوا يلهثون وراء أحلامهم الخرافية لقد وقرأوه بأنفسهم وانبهروا به حد العمى ، وكادوا أن يكونوا من العظماء لولا أنك أعثرتهم في دمائك وأزلقتهم في أحكامهم الجائرة، وقوانينهم الظالمة

وعندما أغريتهم بانتمائك لاذوا بالبوار وسقطوا في الخسران المبين

يا شهيد الشمس الساطعة

لهف نفسي على احتراق تلك الصبية الحسناء في أتون الانتظار بين الأمل والرجاء تسأل الظلام وحلكته ترى أتعود يا توأم الروح وسرّ عيبرها أتعود وبينك وبين الموت خطوة واحدة سواء تقدمت أو تأخرت بها ؟

لهف نفسي على تلك الزغرودة المحشرجة بالبكاء أطلقتها تلك الثكلى وهي تلبس ثوب الشهيد الملون بدم فلذة الكبد والروح والأوصال وعزاؤها أنها ليست وحدها في ذلك.

يا عائدا من المنتهي

لقد عدت يا ابن مهيدي عدتَ لأنه لا بد أن تعود وعدت لأنه ليس من شيمتك إخلاف العهود، عدت شمسا ساطعة على جبين الصبية الحسناء عدت فرحا تلألأ في عيون الثكالي ونصرا في كل الربوع عدتَ زغاريدَ وأهاليل ارتفعت في جزائر الاستقلال

كم كانت التضحية غالية؟ والثمن ليس له نظير؟ عندما تسقي الآخرين إكسير الحياة من دمائك الزاكيات

يا بطلا تستحي منه البطولة

عندما تَعرِضُ البطولة شهاداتها الموغلة في الفداء، تهز رأسها طربا بما لديها من الإيثار والمآثر. لكنها تحني رأسها خجلا من العربي فتى الشهادة والاستشهاد حين تقرأ عن أسياخ النار تشوي لسانه وحلقه وتيارات الغيرة والحقد تقطّع أطرافه وتُكهربُه ليطرب النازيون بارتعاشاته الأخيرة وليرقص الساديّون على هسيس جلدة رأسه تسلخ بيد جزار متمرنة،وعلى جسده يرتعد بين الكهرباء والماء

يا ابن مهيدي

قل للذين سرقوا عمرك و شبابك إنك لازلتَ تلاحقهم بلعنة الدماء والدموع،وخفايا الأرواح المنتقمة والنفوس المظلومة،

قل لمن سرقوا أحلامك عندما أطفئوا شهقات الحياة في صدرك أنك لا تزال تحيى في قلوب أبناء وطنك أسطورة في الخالدين ولا تزال تعيش في أوراق عدوك شوكة تؤرق تاريخهم الملطخ بدمائك الطاهرة ودماء أمثالك من الأخيار والأطهار

يا عظيما كنت ولا تزال

عظيما كنت وبيجار يقِرّ أن ثلةً من أمثالك تفتح له عالم أطماعه على مصراعيه، لكم كان بيجار مخطئا عندما سوّى بين الغزو وفداء الأوطان

عنيدا كنت وأنت تؤكد نجاح ثورتك لأنك المستقبل المشرق وهم الماضي الأسود،

رائعا كنت وأنت تؤثر بما لا يُؤثر به الشهقات والدماء

يا فتي المجد والشهادة

تجف الأقلام وتُرفع الصّحف في حضرة شبابك الجليل المهيب وجمالك البهي العجيب وابتسامة هي الألق ونظرة هي الأفق وسر لم يُدرك، وثبات لم يُحرّك ،وهيبة فيها وقار الأنبياء، ولفتة فيها شعار الأوفياء،

يا شهيدا مضى للخلود حثيثا

كم أنا خجلى عندما اقتربتُ من مجدك وأنا أمام مكتبي

كم أستحي وأنا أصوغ بدمك قصيدة للخلود

وكم أنا صغيرة وأنا أصنع بحروفي الملونة بنشيج الشهادة متعتي ومتعة من يقرأني

يا عزيزا أذل الأعداء

لك الحب والإعجاب عندما كنت تذل الرقاب

لك المجد وأنت عند ربك حي ترزق، أرضيته بالشهادة فأرضاك بالخلود

لك الخلود في وطن لا ينحني إلا عندما تعزف أنشودة الحياة التي ارتجلتها ورفاقك الصديقين الشهداء.

لك التحايا التي لا تنتهي والسلامات التي لا تنقطع وأنت في دار السلام

مع الأطهار والأخيار

لك العهد الباقي على الوفاء وما بدل ولن يبدل أبدا

لك الفواتح والخواتم وما بينهما ولك الفردوس الأعلى بإذن من أحسن خاتمتك وجعلك من الشهداء

في المثقف اليوم