أقلام حرة

الأوطان موجودات أرضية لا كيانات سياسية؟!!

MM80الوطن إبن الأرض ومن صلب كيانها وهويتها وملامح شخصيتها، وهي التي أوجدته على جغرافية بدنها، ولا يمكن تغييره إلا بإرادتها، وحينما تقرر أو تلد نفسها من جديد، من رحم التفاعلات الجيولوجية الكامنة فيها.

ولهذا فأن الأوطان حالة معبرة عن جوهر الأرض وشخصيتها، وقد تتعرض لتقسيمات سياسية وعسكرية وثقافية وغيرها من معايير التقسيم، لكنها تبقى بذات كيانها وملامحها الأرضية المتميزة، مهما حاولت القوى أن ترسمها وفقا لمشيئة مصالحها.

فبولندا - على سبيل المثال - تقسمت بين القوى المفترسة لها وعلى مدى 135 عاما، لكنها عادت والتأمت وأعلنت عن هويتها الوطنية المرسومة جغرافيا بيراع الأرض.

والعرب عندهم وطن واضح ومعروف ويخضع لتقسيمات سياسية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، لكنه ووفقا لإرادة الأرض لا بد له أن يعود لذاته الجغرافية، ويعبّر عن دوره الحضاري كوطن واحد، حتى ولو إمتد هذا التقسيم لقرون أخرى، فقوة الأرض نافذة لكنها صابرة ومؤكدة لإرادتها، وتعلم أن البشرية من نسلها ومن ترابها ومائها، ومصيرهم بقبضتها مهما يتوهمون.

تلك حقيقة دورانية تصارعية ذات تداعيات تفاعلية مؤثرة في مسيرات الأجيال المتعاقبة، ولها مردوداتها المتنوعة وصياغاتها المتعددة، الكفيلة بصناعة حالة الصيرورة الفاعلة في الحياة المعاصرة والغابرة.

ومن هنا فأن الساعين لتفتيت أي وطن ربما سيفلحون لبعض الوقت، لكنهم على المدى البعيد سيفشلون حتما، لأنهم لا يدومون، والتغيرات قانون حتمي شديد الفعالية والتطبيق مهما كانت المعوقات والمصدات، كما أن الأفكار تتطور وتتوالد وتتأثر بمعطيات عصرها، وروافد الأجيال المتجددة المياه والأمواج والرؤى.

ولهذا فليذهب إلى حيث يريد أي نهج تفتيتي قاصر مقيّد بأفكار مضطربة النوايا والتطلعات، لأنه سيبوء بخيبته بعد حين، فلن ينتصر البشر على الأرض، ولن يلوي ذراع إرادتها، ويهينها ويتحكم بقواها الهائلة العظيمة الفعل.

فداعاة تقسيم أوطانهم وتدميرها، يسجلون فوق التراب شواهد أميتهم وجهلهم بذاتهم ومصيرهم، وسيذهبون، ولن يبقى ويسود إلا ما يصلح للأرض والناس أجمعين!!

تلك حقائق واضحة ساطعة في أروقة التأريخ، ودروس بليغة متكررة يؤكدها ما جرى في القرن العشرين، وتعيدها أحداث القرن الحادي والعشرين، لكن الكثيرين يتغافلون عنها وبعمهون في ضلالات المطامع والعواطف المنحرفة، التي تأخذهم إلى سوء السبيل وخزي المصير، ولا يستيقظون إلا حينما يجدون أن كل تميمةٍ لا تنفع!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم