أقلام حرة

هل اتاك حديث العراق فاليمن؟

MM80يبدو الوضع اليمني لأبناء منطقتنا انه شديد الشبه بالعراقي من حيث الاطراف الفاعلة على ساحته الوطنية منها او الاقليمية او الخارجية عدا ان في العراق زيادة متمثلة بالاكراد كعقدة اضافية. ولا غرو حيث ان الولايات المتحدة ومن ورائها معسكرها ومن دونهما السعودية وباقي اقطاعيات الخليج في جبهة، وايران وحلفاؤها في الجبهة المقابلة، وفي الجبهة الثانية هناك اطراف لم تجد خيار الحياد متاحاً، بل لم تجد حتى خيار الاندكاك بالجبهة الاولى وهم الشيعة لسببين؛ اولهما: لأن تلك الجبهة محتلة طائفياً من قبل الاقطاعيات الوهابية بآبارها النفطية وهي التي تنزل الشيعة منزلة الكفار الذين لا حق لهم بالحياة الا بدرجة "كائن حي مستحب قتله"، اما السبب الثاني: فإن الشيعة وجدوا في التطبيع مع الولايات المتحدة فضلاً عن الدخول معها في أحلاف مكلفاً جداً وطنياً واقليمياً ودولياً. واذ يتلافون مواجهتها عسكرياً لفارق الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي، لم يستطيعوا تلافي مواجهة مقاتلين من اسناخ القاعدة وداعش يترعون من فكر التكفير الوهابي ويتمولون ويميرون من المال السعودي خاصة والخليجي عامة، وهو حاصل المواجهات الجارية في العراق واليمن.

رغم الشبه بالتفاصيل العامة الا ان هناك تعاكس بتحريك الحدث. انظروا معي في اليمن يدافع الحوثيون الشيعة عن حقوقهم ضمن الحقوق العامة لأي فرد او مواطن يمني ويقفون من اجل ذلك الهدف موقفاً صلباً لم يتزحزح بعد تجربة مرة وطويلة من التهميش والحرمان والظلم. فتراهم يدفعون باتجاه صيانة المبادئ الوطنية التي انتجت حكومة هادي عبد ربه منصور وتولوا معالجة عصابات تنظيم القاعدة وتحجيمها وهي مصدر خراب اينما حلت. ان اصرار الحوثيين على ترسيخ مفهوم المواطنة وتنضيج تجربة وطنية يمينة تجلى بتثبيتهم هادي في منصبه وحثهم اياه على الالتزام بالمبادئ الوطنية التي شكلت حكومته ومنحته منصبه، بعد ان بدت منه بوادر تخليه عنها بتأثير عرابيد الخليج ما اضطرهم الى ان يعتاموا العاصمة ولكن بمنتهى الانضباط، ثم انسحبوا بعد اخذ التعهدات من هادي. وحين عاد هادي عادوا، ولم يعد هادي عن تعهداته فقط بل عاد عن استقالته التي اعلنها دون قسر او طلب، وهو ما يؤشر حجم التأثير الخليجي في دوره.

اما في عراقنا، فللقارئ مطلق التصور في عكس الصورة اليمنية ليجد العراق فيها. حيث على عكس الحوثيين فإن ممثلي الغالبية الشيعية العراقيين لم يصنعوا حدثاً البتة بل اكتفوا بالمقاومة التي رافقها كم هائل من التنازلات المدافة بالخروقات الدستورية والقانونية على كل الصعد واستمرت معادلة تنازل الشيعة امام ابتزاز السنة مدعومين بالارهاب وامام الاكراد المهددين بالانفصال، وتدهور الحال حتى سقطت نينوى وصلاح الدين في سويعات بعد نضجهما طعمة لداعش. فقام الاكراد وداعش و"تشطروا ضرعي" الغنيمة الجديدة واستثمروا الواقع الطارئ والشاذ الذي هم اختلقوه عوضاً من اصلاحه. فشرعوا بالحديث عن جيوش اقليمية (بدعة الحرس الوطني!)، وحدود مرسومة بالدم (دولة بارزاني التوسعية!) وواقع ما بعد الموصل. حتى انبرى للعراق حارسه وراعيه السيد السيستاني ليهمس (فقط) من كوفان فيعصف بحشود الاحزاب ويذري مكرهم ليبهتهم ويُسقط في ايديهم.

رغم الحشود الكبيرة والمهولة، استنزل رجال الحشد الشعبي النصر معبئين بقضية ناجزة وهمة فريدة واخلاقيات مشهودة. فحين انهزم الجمع وولوا الدبر، ارتأوا ان يتوجهوا صوب خاصرتهم الثانية التي توهموا مرة اخرى انها ضعيفة ففزعوا الى اليمن ولا مزيد على حدث الساعة، فنصر اليمن آت عاجلاً كالصبح الابلج ناحياً ليله من حيث جاء.

عوداً على تعاكس الحدث في البلدين، فبينما أجَل ساسة الشيعة المواجهة فكلفنا مئات الآلاف من الضحايا والكوارث المصاحبة وضياع الزمن، خاض الحوثيون غمارها ليأسهم من صدق الشركاء وتأكدهم من النوايا التي تحركهم اما تضحياتهم فلا تقاس بأي شكل من الاشكال مع الخسائر المجانية التي عاناها العراقيون اتكالاً على امنيات هي اكذب من الاوهام. فاليوم وبعد الفلج المبارك والعظيم في تحرير تكريت على ايدي العراقيين والتوجه لتطهير ما بقي من اجزاء الجسم العراقي من دنس داعش ومن تسمى بغير اسمها، يجب على ولاة النصر ان يقفوا بصلابة امام كل دعاوى التفتت الطائفية منها والعنصرية فهي التي اودت بحال العراق الى ما صار عليه.

وبعد اليمن، على العراق ان يبادر الى تفكيك منظومة الجامعة العربية لأنها اس البلاء واساس الفناء. فالجامعة التي تحركها اموال قطر والسعودية غير جديرة بشيء كما لم تكن في يوم من الايام. وموقفها الاخير من الحراك اليمني انما هو نذير شؤم لخرقها قرار الاجماع الذي اقرته دولها كأساس لإنفاذ القرارات – وهو المستحيل الثامن – فانفردت بضعة دول بين غنية ومرتشية لضرب بلد عضو وشعب شقيق يتلمس طريقه نحو استقرار من نوع جديد اكثر عدلاً واقل ظلماً، بدلاً من الاجتهاد في حل ازمته والاخذ بيده نحو ذلك الهدف (الاستقرار).

أملي ان يبلغ انتصار العراقيين على داعش مداه نحو عراق صحي وصحيح كما هو أملي ان يغير النصر اليمني الثوب البالي الذي كسا شبه الجزيرة العربية، والله تعالى بالغ امره.

في المثقف اليوم