أقلام حرة

كهربائنا الوطنية .. هل هي وطنية؟

ahmad alkhozaiانخفضت أسعار النفط العالمية، وهذا أمر يتكرر باستمرار في التاريخ الاقتصادي الحديث، تبعا لمعادلات العرض والطلب في الأسواق العالمية، وتأثرا بالأزمات السياسية والاقتصادية التي تجتاح مناطق حيوية من الكرة الأرضية، العراق جزء مهم من منظمة أوبك التي تضم (12) دولة مصدرة للبترول، جميع هذه الدول تأثرت بشكل أو بآخر بانخفاض أسعار النفط التي مر بها خلال الاشهر القليلة الماضية ، لكن العراق تفرد بميزتين عنها، الأولى هي إعلانه لإفلاسه المفاجئ ودون سابق إنذار، حتى بلغ به الحد إن حكومة التوافق السياسي بدت عاجزة عن سد رواتب موظفي الدولة، كما في بعض مشاهد الدراما العربية الفنتازية التي يتحول فيها الأثرياء إلى متسولين بين ليلة وضحاها، وأما الميزة الثانية وهي التخبط الذي شهدته الحكومة في إدارة هذه الأزمة المالية، والقرارات الارتجالية الغير مدروسة التي أصدرتها، في محاولة منها لسد العجز في ميزانية الدولة الناتج عن انخفاض أسعار النفط، ومن هذه القرارات هي زيادة أسعار فاتورة الكهرباء على المواطنين ... الكهرباء العراقية تعاني من مرض عضال منذ حرب تحرير الكويت عام 1991 ميلادي، حين استهدف طيران التحالف الدولي جميع بناه التحتية وأعاد العراق إلى ما قبل عصر الصناعة، وكانت الكهرباء إحدى تلك الأهداف، وقد قام النظام السابق بعمليات ترقيع للمنظومة الكهربائية استطاع من خلالها إعادة الكهرباء لبغداد وبعض المحافظات الأخرى، وفق برنامج للقطع المبرمج، وأما محافظات الوسط والجنوب فقد انعدمت فيها هذه الوسيلة المهمة للحياة بشكل شبه تام، سقط الصنم في 2003 واستبشر الناس خيرا بأن يقوم ولاة الأمر الجدد القادمون من رحم المعاناة العراقية، بإعادة الحياة إلى هذا البلد المنكوب ... لكن الذي حدث إن مئات من المليارات الدولارات قد صرفت على إعادة تأهيل ألبنا التحتية فيه دون أن يلمس المواطن أي تغيير حقيقي قد حدث، وأكثر القطاعات التي تم الإنفاق عليها هي قطاع الكهرباء، حيث صرف أكثر من عشرون مليار دولار لإعادة تأهيلها منذ عام 2003 ولغاية الآن، وما زلنا نستورد الكهرباء من الدول المجاورة بمليارات الدولارات سنويا، وما زال المواطن واقع تحت رحمة أصحاب المولدات الأهلية، الذين تحولوا الى إقطاعيات بيروقراطية، تساهم في رسم حياة المواطن العراقي بعيدا عن الدولة، والكهرباء الوطنية ان كانت فعلا وطنية، تصل بيوتنا مريضة منهكة بعد ان تداعت خطوط نقلها ومحولاتها وأعمدتها الكهربائية التي تجدها في المناطق الفقيرة وقد أحيطت بمواد عازلة من الأكياس وقطع النايلون خوفا من الصعقة الكهربائية التي قد تسببها في موسم الأمطار في ظاهرة غريبة لا نجدها إلا هنا .. وبعد كل هذا تأتي وزارة الكهرباء لتضع تسعيرة مخيفة لاستخدام الطاقة الكهربائية تصل إلى مئات ألاف من الدنانير شهريا، لتثقل كاهل المواطن الفقير وهو على أبواب صيف العراق الساخن، وغاب عنها إن الكثير من أبناء هذا الشعب لا يتعدى دخلهم الشهري الثلاثمائة ألف دينار .. ولكن هل هذه الضريبة تطال المنطقة الخضراء وكبار مسؤولي الدولة، أم أنها صممت لتنال من الفقراء فقط، كما فعلت الدولة العثمانية حين فرضت (ضريبة الأسنان) على الشعوب الخاضعة لسيطرتها آنذاك، لتصلح بها أسنان أمرائها وقادتها الذين تسوست من كثرة أكلهم للحوم والحلويات الشهية، وهل المواطن العراقي الذي سحقته الأزمات والانتكاسات ملزم أن يكون جيبه هو الحل لمشكلة دولة غنية أهدرت ثروتها على المشاريع الوهمية والفساد الإداري والمالي ونهبت في وضح النهار، دون أن نعرف أين ذهبت هذه الأموال وأين صرفت، كون (النقود لا رائحة لها) كما قال الإمبراطور الروماني (فيسباسيان) .. في معظم دول العالم أن تسمى مواطنا فيجب أن يكون لديك حقوق وعليك واجبات، لكن هنا في بلادي فأنت عليك واجبات فقط، وأما حقوقك فهي تقع في ذيل قائمة طويلة من الأولويات التي هي اهم منك بكثير .

 

احمد عواد الخزاعي

في المثقف اليوم