أقلام حرة

التعايش!!

MM80من عايشه: أي عاش معه أو عاشرهُ.

والعيش: الحياة.

"وقد علمتُ على أني أعايشُهُم....لا نبرحُ الدهرَ إلا بيننا إحَنُ"

والتعايش أن يحافظ كل حي على حقوق حياة الحي الآخر الذي يعيش معه في ذات المكان والزمان.

وفي بدن الكائن الحي كالحيوان والإنسان، أعداد غفيرة من الجراثيم والمَكروبات الضارة والنافعة، وهي في حالة توازن وتعايش لتأمين الحياة.

وهناك الكثير من آليات التعايش فيما بينها، كتبادل المنفعة وإدامة الظروف البيئية اللازمة لحياتها المشتركة.

وعندما يحصل إضطراب في التوازن، يتأثر محيطها وتتكاثر بعضها على حساب البعض الآخر.

فعلى سبيل المثال، عندما نستخدم المضادات الحيوية فأنها تقتل بعض أنواعها فتتنامى الجراثيم الأخرى، التي لم تتأثر بالمضاد الحيوي، ويصحب ذلك مضاعفات قد تكون خطيرة على الحياة، حيث يعاني الشخص من إسهال شديد وأضرار كبيرة في الأمعاء، مما يستدعي المزيد من التداخلات العلاجية ، وبعضهم يفقد حياته، بسبب إنعدام آليات التوازن والتعايش ما بين الأحياء المجهرية في أمعائه.

وهذا قانون بقائي مطلق ينطبق على الموجودات في الأرض والكون، ولا تحيد عنه أية ظاهرة أو سلوك يتحقق في عالم مزدخم بالطاقات والقدرات المتفاعلة ، فلا يمكن لأية حركة أو نشاط أن يمضي من غير توازنات، ومعادلات تفاعلية منضبطة وذات أحكام سلوكية تؤمّن البقاء المشترك والتعايش السليم.

وما يجري في بعض المجتمعات المتعايشة لألاف السنين أن كيان وجودها – الدولة – قد ضعف، فوجدت القوى القريبة والبعيدة الفرصة لحقنها بالمضادات اللازمة لقتل بعض مكونات هذا التعايش وتحطيم آليات التوازن البقائي ، مما أدى إلى طغيان مكون على آخر، فأصيب المجتمع بإلتهابات جرثومية ذات مسميات لا تنتهي، ومضاعفات خطيرة قد تقتل المجتمع وتغييب الوطن بالكامل.

وهذه الإلتهابات ومضاعفاتها المتطورة، تستدعي خبرات كبيرة وعلاجات نوعية ذات قدرة على إعادة التوازن، وتحقيق التعايش الضروري لبقاء الأوطان والمجتمعات.

وفي الطب يتم حقن المريض بذات المكون الموجود في الإنسان المعافى، أي الذي لم تضطرب فيه حالة التوازن والتعايش المَكروبي، لكي يشفى من مرض إضطراب ما فيه من مكونات حيوية.

ويبدو أن هذه المجتمعات التي فجعت بإضطرابات عدم التعايش بحاجة لحقنة تعايشية من إنسان سليم، لكي تستعيد التوازن وتحقق التعايش.

هذه الحقنة نفسية فكرية ثقافية سلوكية، وتستوجب قدوة وأمثلة حية فاعلة في الحياة، لكي تنجح فيشفى الوطن والمجتمع من فقدان التوازن وإزمات اللاتعايش .

فلماذا المَكروبات تتعايش في أجسامنا، ولا نستطيع التعايش مع بعضنا؟!ّ!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم