أقلام حرة

وقفة مع المتملقون الجدد أتباع دين المصلحة

asad abdulahفي بغداد القديمة، أيام حكم بني العباس، يحكى أن شابا متوسط الذكاء، اسمه جميل، لا يملك من مقومات الفرسان إلا القليل، حاول أن يكون مشهورا، ومقربا من السلطان، فلم يجد وسيلة أفضل من التملق، فكتب قصيدة شعرية، من إلف بيت! بمدح السلطان وأبيه، وحضر عنده في يوم عيد، وألقاها في القصر، ودموع التذلل على خديه، فقال له السلطان اطلب ما تريد، فقال أريد أن أكون خادمك المطيع، فأجزل له العطاء، وأصبح قريبا من السلطان، إلى أن باع السلطان لأعدائه، بمكافئة كبيرة، فالمتملق دينه المال.

ما أكثرهم اليوم، يفعلون كل شي كي يكونوا بالقرب القادة، ليتنعموا بدفء شمسهم، فيتصيدون الفرص، على حساب الاستحقاق، وليكون قنبلة مستقبلية، تدمر هؤلاء القادة، كما يحصل دوما.

المتملقون الجدد، يستشعرون التكبر والغرور، من موقعهم، فيحسون بأنهم محصنين مهما فعلوا، حيث يرون إن الأبواب تفتح لهم، ليكونوا قائدة المستقبل، فالقرب يوفر لهم فرص ولا في الأحلام، من شهادة دراسية عليا، إلى نجم تلفيزيوني، إلى مخصصات مهولة، توفرها لهم شمس التقرب، لكن كل هذا يحصل بعيد عن الاستحقاق، فالتذلل للآخرين، تدفع بهم ليكون نجوم ومرفهين جدا.

قبل أيام تحاورت مع احد المتملقين الجدد، انزعج كثير لمجرد تساؤل، عن حقيقة لقبه العلمي، مع انه ينتمي لتيار يلتزم مبادئ أخلاقية راقية، فكان الغرور يملا كيانه، ويحس بأي تساؤل مثل سهم يوجه نحو ذاته، لكمية الأخطاء التي بني عليها اسمه، فيخاف إن يتزلزل جبل الأكاذيب، ويتعرى أمام قائده، فيخسر جنة القرب، ويفقد كل ما وصل له، وتتبخر معها امتيازات الحاضر، فيخاف الانزواء في خانة النسيان، وأكثر من هذا، يخاف المسائلة عن حقيقة ما يفعل.

اعتقد على قادة الكيانات السياسية، أن ترفض إن تكتب بها أو برموز كياناتها رسائل واطاريح علمية، من قبل المنتسبين لكياناتهم، والأسباب هي:

أولا: لأنها تتيح الفرصة لاستفسارات كبيرة، بحق القادة السياسيون من قبل الناس، عن سبب رضاهم بهكذا تصرفات، والهدف منها التكسب بأسماء رموز الكيان السياسي.

ثانيا: لان هكذا رسائل واطاريح تثبت ثقافة المصلحة، عندها يصبح روادها قافلة لا تنتهي، وهو الحاصل اليوم.

ثالثا: لأنها ببساطة عملية تملق كبيرة، وحضورهم هكذا مناقشات إمضاء لعملية التذلل، والتي يكون الكاسب الكبير فيها هذا المتملق، لان الكادر المناقش لن يستطيع الطعن، أو عدم منحه درجة التميز، لأسباب متنوعة، تبتعد كلها عن الاستحقاق العلمي.

وصاحبنا المغرور، من هؤلاء المتملقين، الذي جعل من رسالته، عملية تملق كبرى بسبب ضعفه العلمي، فلم يجد وسيلة إلا التمثل بأساليب طلاب البعث، وعملية كتابة رسائل واطاريح عن صدام وأبنائه، عندها يكون التميز حاضر، فحقق بغيته، من قبل اللجنة المغلوب على أمرها.  

عندما يصبح تمجيد شخص سبيلا للرزق، عندها يكثر الممجدون، فمن يمجد لخدمة حاضرة، فهذه ابرز صفة للمتملقين، لولا المكاسب لما مجد، كما كانت تفعل قريش بالأمس الإله الذي لا يعطي لا يعبد، وسبب الظاهرة حالة رضا الساسة بأفعال هؤلاء، لأنها ترضيهم بنحو معين، مع انه يمكن التصرف بطريقة أخرى، تكون حماية للكيان من دخول هؤلاء لجسده، كمرض مستقبلي قد يطيح بالكيان، إما عدم التحسس من هذا الخطر، يدلل على حسن نية في غير محلها.

بطانة السوء خطر كبير يواجه الساسة، فهم سرطان سيهد ما تم بنائه، لأنهم من دون قيم وثوابت، بل المصلحة هي محركهم الفعلي، ولولا الفائدة لما بقوا يوم واحد مع قادتهم.

والسلام

 

في المثقف اليوم