أقلام حرة

لا يمكن ان يستمر العراق على هذه الحال

emad aliمارك ثورنبيري هيج الراي العام العراقي ووسع الهوة بين من كان يشعر بالغبن وهو ينتظرالوقت والفرصة ليعلن عن اهدافه، ومن يخبيء راسه في الرمل وينتظر رضا الاخرين وعدم اعتراضهم عن سلطته ونفوذه، ومن يحسب الزمن وينتظر فرصة ليقتنصها في تحقيق حلمه، فان كان السيد ثورنبيري مجتهدا من قرارة نفسه دون اهتمامات الدولة، وهذا بعيد جدا في دولة الولايات المتحدة المؤسساتية التي لا يمكن ان يصدر شيء حتى بسيط جدا الا بعد ان يتاكد المعنيين من طبخته وجودته وجهوزيته للتنفيذ والاستهلاك .

فان لم يشعر احد بالمواطنة الحقيقية ويحس بالاغتراب طوال حياته ويحس الاخر بما سلب منه ولم يعد اليه في الوقت الذي يتصرف الاخر وكانه وجد ضالته في الفرصة التي سنحت له بعد تاريخ طويل من احساسه الداخلي واقتناعه بانه مسروق من اللصوص الاقليمية في وضح النهار، واستقرت الحال على سلبهم ونهبهم وحكرهم للسلطة اكثر من ثمانين سنة بالتمام والكمال دون وجه حق، واخيرا يحس بانه عثر على ما فقده طويلا وله ان يتصرف به . بهذه الاحساسات والنظرات المختلفة جذريا من قبل المكونات الى العراق في هذه المرحلة، ولم يهدا هذا البلد على امر منذ الفوضى التي استعرت شدتها بعد مجيء داعش، فان واقع العراق لازال ينتظر تغييرا جذريا حقيقيا وواقعيا بعيدا عن الشعارات والمثاليات في الكلام والخيال والنظرة اليوتوبية الى المستقبل . فان العراق ثلاث مكونات رئيسية مختلفة الشكل والتركيب والطعم والرائحة ولا يمكن مزجهم بسهولة في بودقة واحدة باقتناع ورضا الاطراف كافة بهذه الثقافات والوعي وما يمتلكون من الخلفيات العقيدية والايديولوجية وما اتكتسبوه من الموروثات التارخية . ربما يدعي البعض ان الوطنية موجودة ووهذا ليس باقتانع وانما تزايدا لمصالح واسباب ذاتية غير حقيقية وبعيدة عن الصراحة، وكما يدعيه السياسيون اليوم والذين يتكلمون علنا ما يهدفون اليه سياسيا وينطقون الحقيقة احيانا في الخفاء ان احسوا بهدوء وثقة بالمكان الذي يتكلمون فيه، وهكذا ينطبق هذا على المثقفين والصحفيين والمهتمين بشؤون العراق العامة، يخدعون انفسهم ويريدون اني ضللوا به العالم، يبعدون عن الحقيقة الموجودة امام الاعين وهم يتجنبونها لعوامل ذاتية ومصالح مختلفة .

ان كنا نتكلم بشعارات وامنيات وعواطف وما يمكن ان نتوقعه في خيالنا وو في اللاوعي احيانا فهذا ممكن، الا ان من اصر على زج المكونات المختلفة في دولة غير متجانسة في وقته كان يعلم بما يحدث وما يفرز منه وان لم يخطط لما بعده فانه اصطدم بواقع لعله يستغله اليوم لتصحيح خطاه واعادة الامور الى نصابه وما ينوي الاستغفار وفي النهاية الاستفادة منه على المدى البعيد ايضا .

ايها الطوباويون انظروا الى ما حولكم وما تلقون من المواقف، ايها اليساريون تعاملوا مع الواقع وسترون ما تؤمن به المكونات المختلفة وما يعتقدونه ولا يمكن ان يصح اي امر او يتحقق بدونالاعتماد على الحقيقة . فهل تجدون من يومن بالعراق الواحد الموحد الا من يستاثر بالسلطة اليوم ام كان على رساها من قبل اوما ياتي فيما بعد . فهل يمكن فرض اي امر الى النهاية دون اقتناع المكونات كافة ذاتيا بما موجود، وهل يؤمن جميع ابناء المجتمع بالسلطة السياسية المركزية مهما كان نوعها او طبيعتها او النظام المامول اعتماده دون النظر اولا الى ما يهم المكون قبل الوطن .

العراق اليوم سائر على سكة اللااستقرار المستمر منذ مدة ليست بقليلة ولا يمكن تصحيح المسار فوقيا اي من قبل المرشد دون الاخذ براي وموقف من فيه .

يتشدق البعض بافكار مثالية فوقية بعيدة عن حياة الناس والواقع المعاش الموجود حاليا والحال التي نمر بها، ويتكلم كماهو الطائر بجناحين وهو سائر في الفضاء ولا يعلم انه موجود في البحر الهائج المتلاطم التي يمكن ان تغرقه في لحظتها، ولا هو يعيش في واقع ومجتمع معروف عنه بانه يحمل الافكار والنظرات الانسانية في طيات تفكيره، ولا هو معلوم عنه بالالتزام بفكر ما يمكن ان يعمل على المساواة وتكافؤ الفرص، وكل ما يمر به العراق هو وليدة فكر الساعة وتسير السياسات بتكتيك آني اكثر من اي استراتيجية، والكل بعيدون عن الخطط والبرامج وماسسة الدولة التي يمكن ان يتامل احد ان تعيش فيها الناس بانسجام الى حد ما .

منذ انبثاق الدولة العراقية ولحد اليوم الا في بعض المراحل القصيرة الامد، فان العراق لم يتقدم ولم يستقر على حال يمكن ان يتوقع منها ان الدولة وقفت على اركانها وانها قادرة على تجسيد المواطنة لشعبها، فلم يمر وقت الا وانها تخضبت بدماء ابناءها من جراء الصراع الدموي الداخلي والخارجي والضحية هي ابناء الشعب ذاتهم، وكانت الغاية هي السلطة والمصلحة الذاتية واخيرا الوطن الذي يستوجب التضحية في اكثر الاحيان ضد العدو الخارجي الا ان الوطن لا يساوي قطرة دم واحدة من ابناء الشعب من اجل امر داخلي فقط، فان كان بالامكان ان تُبنى اوطان واقاليم متجاورة متجانسة ومتعاونة وبعيدة عن الخلافات والتحديات والصراعات والفوضى وبه يمكن ان يوفر عامل الاستقرار والسلام والابتعاد عن الاحترابات، فما الضير منه. اليس الانسان هو الغاية، فلماذا يمكن ان يتحول الانسان الى وسيلة وحتى رخيصة من اجل اي شيء، وان كان حتى اقدس شيء وليس الوطن فقط ؟

لقد خلق الانسان العراقي بمكوناته الثلاث اجتماعيا على الاساس هذا، اي هناك انتماءات صغيرة داخلية اهم واقدس عنده عن الانتماء الكبير للوطن، فهل شاهدت يوما من يقف مع الاخر من جيرانه ضد اخيه وان كان اخوه على الخطا والباطل، وهل وجدنا من كان ضد ابناء عشيرته وان كانت غارقة في الخطا والتعدي والضلالة، وهل وجدنا من يقف مع مذهب الاخر على حساب مذهبه وان اقتنع داخليا بان الاخر على حق، والى جانب كل ذلك فهل من وقف مع العرق الاخر في اي امر كان وهو يحس باختلافه بقرارة نفه بمجرد اختلاف اللغة . انها الثقافة التي تتبناه العائلة والتي ورثتها بدورها تاريخيا وتتربى بها الاجيال ولا يمكن ان يعتقد اي منا باننا يمكن ان تتغير الامور بعد ان تتشتت العائلة ونبتعد عن تلك الخصائص والسمات في الحياة، وان نعتقد يمكن ان تنبثق ثقافات اجتماعية مختلفة يمكن ان تُعتمد عليها، وتكون مساعدة على التجانس الاجتماعي والاساس القوي لبناء دولة موحدة من المكونات المختلفة، لم يحصل هذا الا بعد الاضرار الكبيرة التي يمكن ان تلحق بالجميع ولمدة طويلة جدا اكثر من ضرر الانقسام او الاقلمة، ومن ثم بالامكان الاتحاد والتوحيد ضمن كيان واحد بالتراضي والتقاء المصالح وما يفرضه التعايش وضرورات الحياة . وهذا يحتاج الى وقت اقل من وقت اللازم لبدء اانتهاء الصراعات والقتال والتحديات . انها الحالة الاجتماعية هي العائق الاكبر امام بناء الدولة وليس الوضع السياسي والاقتصادي فقط، وهذه العوامل الاساسية التي تفرض الفوضى والتشتت ولا يمكن حلها الا بارتضاء الذات وبقناعة كاملة وليس بقوة غاشمة كما يحصل لحد اليوم .

في المثقف اليوم