أقلام حرة

إلى أخي غالب الشابندر .. الفتى عمّار و"صوفية الزهاد"!

725-amarيوم كنا معاً في المنفى وكان عمار لما يزل يافعاً، وكانت تفرحنا كل بادرة ذكاء من عمار اليافع، ويتندر بعضنا أنه سيكون على سر أبيه باحثاً بقلمه عن المتاعب، كانت آمالنا تكبر مع السنتمترات التي تُضاف إلى قامته، وتكبر آمالنا مع كبر حجم المعارضة لنظام الجلاد وزبانيته؛ هذه المعارضة التي فاجأتنا بتجلياتها (الصوفية الزاهدة في حطام الدنيا) بعد أن صعد نجمها على الكراسي عقب سقوط النظام وسقوط الأقنعة بل وأوراق التوت.

ما أسرع ما انقضت السنون لنرى اليافع الحبيب يكبر وتكبر هموم الوطن الذي كُتب عليه أن يظل جريحاً حتى مع تسنم المعارضة الباسلة الكراسي التي أصبحت أوثاناً تُعبد في الوزارات والدوائر الحكومية؛ ولنكتشف أيضاً أن (عمَّارنا) على سرِّ أبيه (ومن يشابه أبَهُ فما ظَلَمْ).

مع انفجار كل مفخخة تحصد الأرواح الغالية، يبادر المسؤولون المهابون إلى تكرار كليشيهات يحرصون على حفظها وتكرارها: يجب تفعيل الجهد الاستخباري، ويجب تغيير الخطط الأمنية للقضاء على الإرهاب حيثما كان، وإن سلامة المواطن هي خط أحمر، ولا شيء سوى ذلك؛ وتدور عجلة المفخخات وتسيل الدماء وتدور معها فكوك الطاحنين لكلمات الكليشيهات نفسها دون كلل أو ملل، وتدور أيضاً عجلة الرواتب الضخمة والمخصصات الهائلة لمطلقي هذه التصريحات. بل ويطلقون معها ــ مبتهجين ــ تصريحات عن ضرورة تحسين العلاقات مع دول الجوار والمحيط الإقليمي مثل تركيا والسعودية وقطر والأردن، وهم يعلمون علم اليقين أن هذه الدول هي التي تبعث تدرب الانتحاريين على أراضيها وتزودهم بالمال والسلاح وتبعث بهم إلى العراق.

كان بالإمكان الكشف مبكراً عن هذه المفخخة الآثمة التي قتلت عماراً ورفاقه لو كان لدينا أجهزة كشف متفجرات وكاميرات مراقبة في مداخل مدننا وشوارعها، وهو أمر بديهي لا يحتاج إلى عبقرية خارقة، لكن ماذا نفعل وولاة الأمور إذا قيل لهم ذلك سيقولون إن البلد في أزمة اقتصادية برغم وجود 39 مليار دولار في الشمال العراقي (الإقليم أو الدولة) لا سبيل إلى استردادها لكونها في كردستان التي اعترفت بـ (شرعيتنا) ضمن إطار (التوافقية) التي ألغت نتائج الانتخابات بأسلوب (المقبولية) بل (التقبيلية) وانتهجت المحاصصة على طريقة (ديمقراطية امريكية خاصة بالعراقيين فقط).

قد يُقال وهل ستكفي هذه الأجهزة لمنع المفخخات؟ فنقول إنها إحدى الوسائل، فلماذا تتقاعسون حتى عن توفير هذه الوسيلة البسيطة، وتصرون على إطلاق التصريحات طوال سنوات بأنكم ستستوردون قريباً هذه الأجهزة مع علمكم اليقيني أنكم لن تجلبوها؟

نعم، فمنذ سنوات يتحدث ولاة الأمور عن أجهزة متطورة لكشف المتفجرات والمفخخات وتعاقدهم على شرائها مع شركات يذكرون أسماءها، بل ويحددون أحياناً تواريخ وصولها؛ ونكتشف أن أحداً يخدعهم ويضللهم، بينما يستمر جهاز (أبو الأريل) الذي حُكم بالسجن والغرامة على مكتشفه البريطاني الذي يقضي السنوات خلف القضبان لدجله وادِّعائه بكفاءة جهازه الأكذوبة، يستمر (أبو الأريل) في منح الأبرياء الأمان الكاذب، بل إن الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية في مقابلة أجرتها معه قناة آفاق قبل أيام ما زال يكرر أن هذا الجهاز يعمل لكن بكفاءة أربعين بالمئة، وأضاف إلى ذلك العبارة التي يكررها دوماً وأبداً وهي أنه (لا توجد في العالم أجهزة لكشف المتفجرات بمعنى أنها تكشف المتفجرات). انتهى كلامه. ولا ندري بماذا سيجيب إذا سُئل: إذا كانت هذه الأجهزة غير موجودة فبأي وسيلة تحمي الدول العظمى أمن شوارعها ومطاراتها وموانئها وحدودها؟ ولماذا لا تسعفنا الأقمار الصناعية للولايات المتحدة الأميركية بمد يد العون في هذا المضمار وهي التي وقَّعنا معها اتفاقية إطار استراتيجي لم تمنع عنا حتى المفخخات برغم أن لديها عندنا أكبر سفارة في العالم تحتوي على اكبر حشد في أي سفارة في العالم من الموظفين وأجهزة المخابرات وأجهزة التنصت وتسجيل المكالمات.

لنستذكر قول شاعرنا الجواهري:

قبلَ أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا سُبَّ مَن جَرَّ هذه الأوضاعا

أخي غالب، أحتضن قلبك النازف بين أضالعي وأحتضن وجه الفتى عمار وقلبه النابض بآلام الوطن وذكرياتي الغالية معه، مع تعازيَّ الحارة لبقية أفراد الأسرة الكريمة وخصوصاً الأخت أم عمار وزوجة الفقيد وأبناءه والأخ الكريم عزت.

أخوك المفجوع بعمار

نبيل المسعودي

في المثقف اليوم