أقلام حرة

رسالة إلى سعداني: لا تتحالف!

inas najlawiمنذ منتصف 2013 والامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني يخترق المحظورات، يسير على الألغام ويصارع على عدة جبهات لفرض رؤيته حول مايجب أن تكون عليه الدولة المدنية، ما أدى إلى إثارة زوابع الجدل واللبس في ساحة عرفت بالمهادنة والركود السياسي. لكن الرجل لم يتراجع ولم ييأس وصبر على الانتقادات اللاذعة التي طالت شخصه.

ولما بدأت البشائر تهل، انضم إلى ناديه الكثير ممن اقتنعوا انه رجل يكسب جل رهاناته وانه ابعد ما يكون عن التهور والعشوائية السياسية.

ويمثل مؤتمر الجبهة العاشر تحت إشرافه علامة فارقة في التاريخ السياسي الجزائري الحديث لما حصل عليه من إجماع وتزكية من الرئاسة وقيادة الأركان والمجتمع المدني دون إغفال المناضلين المندوبين الذين أسهموا في إثرائه ونجاحه. وكانت المفاجأة أن سعداني لم ينتظر مرور التعديل الدستوري للحصول على حكومة الأغلبية، بل إن الحكومة حضرت مؤتمره ونال رئيسها صفة "مناضل". وشهد ختام المؤتمر دخولها عباءة الأفالان بأن ضمت القائمة الوطنية لأعضاء اللجنة المركزية 12 وزيرا في حكومة سلال.

ولم يكد يمضي أسبوع على عرس المؤتمر حتى دخلت أطراف أخرى على الخط لتطلب حصتها في ثمار الغلة التي لم تزرعها ولم تتعب في جنيها!

دعا احمد أويحيى أحزاب الأغلبية -في خطاب عودته وتنصيبه أمينا عاما بالإنابة للارندي- إلى التجمع مجددا تحت مظلة التحالف الرئاسي، وعلى الفور انضم عمارة بن يونس إليه لأجل تشكيل كتلة بهدف الضغط على الأفالان لقبول الدعوة.

يدرك السيد أويحيى وهو رجل دولة محنك أن الصفقات السياسية لا تحدث بكبسة زر، وإنما تخضع لمنطق المصلحة المتبادلة وحسابات الفوز والخسارة، كما يعلم -بالتأكيد- أن حزبه لا يوازي حاليا الأفالان لا وزنا ولا قوة. فإذا مالذي سيدفع سعداني وهو في أوج نجاحه وتألقه إلى قبول عرض أويحيى الذي عاد للتو إلى واجهة الأحداث؟! وماذا سيضيف هذا التحالف إلى الحزب الأول والأكبر في البلاد؟!

لو أن الجزائر تمر بمرحلة انتقالية أو لو أن أمرا ما يجري الإعداد له في المطبخ السياسي، لتم قبول الدعوة إلى التحالف على مضض. لكن أويحيى بنفسه فند هذه المزاعم ونفى ما أشيع عن التحضير لانتخابات رئاسية مسبقة وحسم الجدل حول مسالة التوريث. وعليه فلا شيء يستوجب التكتل العاجل وغير المدروس.

من حق الأحزاب المحسوبة على الموالاة -التجمع الديمقراطي والحركة الشعبية وتجمع أمل- البروز وإيجاد مكان تحت شمس المرادية على ألا يكون ذلك على حساب وهج جبهة التحرير والانتقاص من تأثيرها وحجمها على الساحة السياسية والشعبية.

ومن حق أويحيى أن يبعث طموحه القديم من رماده، لكن من الأفضل له البحث عن سبل جديدة للوصول إلى هدفه بدل محاولة استنساخ تجربة (حلف أويحيى-بلخادم-سلطاني) والتي أثبتت -في الماضي- ضيق آفاقها وتبعيتها المطلقة للسلطة وانتهت إلى الفشل وتفرق الجمع.

في حال قبل سعداني الصفقة، سيكون الأفالان إضافة كبيرة للأحزاب الأخرى وسيضطر إلى الاقتطاع من قوته ونفوذه ودوره لكي يتقاسمه مع إخوانه في التحالف. لكن في المقابل، مالنفع الذي سيعود على الجبهة؟ في الواقع، لا شيء ذو أهمية. سيشكل التحالف عبئا على الجبهة وسيأخذ من رصيدها ويصب في حساب أرصدة الأحزاب الأخرى.

سعداني الذي انتقد بشدة حكومات ألوان الطيف ومازال يدعو إلى حكومة سياسية تأخذ زمام المبادرة وتحاسب على أدائها، لن يضحي بنجاحاته وكل ما حققه ويسلم المشعل إلى تكتل سياسي أعرج وغير متكافئ.

لكن أسوأ السيناريوهات ترجح انه قد يضطر إلى دخول التحالف بناءا على أوامر فوقية من برج المراقبة توجسا من الدور المتعاظم للجبهة وأمينها العام والتي من المحتمل أن تتخذ -مستقبلا- أبعادا خطيرة تهدد مصالح وبقاء بعض الأطراف في السلطة. إلا أن الرسائل الواردة إلى سعداني وبرقيات التهاني قطعت قول كل خطيب وكشفت بما لا يدع مجالا للشك أن الجبهة ثقلت موازينها، وهذا لا يعني الإقصاء لأن الأمين العام أعرب مرارا عن ترحيبه بالتعددية السياسية والعمل المشترك وفق منطق رابح-رابح.

من حق سعداني ألا يقبل بتحالف غير متوازن القوى وان يعرض -في المقابل- تصوره لقطب سياسي يحفظ حق الأفالان كحزب أغلبية حكومية ونيابية وقاعدية لأن الجبهة وصلت في عهده إلى حد من القوة يخولها أن تقود لا أن توزع مجانا ثمار نجاحاتها على الآخرين. فمن غير المنطقي أن تطلب من قطار سريع أن يتوقف إراديا في منتصف السكة لكي تلحق به دراجات نارية تنافسه على المركز الأول!!

اغلب الظن أن أسد الصحراء لن يوقف قطاره ولن يتحالف لمجرد إرضاء غرور الثعلب الذي لقب في الماضي "بوتين الجزائر"..

 

  بقلم: إيناس نجلاوي  

 

في المثقف اليوم