أقلام حرة

ثقافة رد الجميل

moamar habarمنذ 4 أيام، تابعت نشرة الأخبار لفضائية فرنسية، جاء فيها: عقب زلزال هايتي العام الماضي ولد توأمين ملتصقين، ظلا على تلك الوضعية يعانيان ويعاني معها الوالدين، إلى أن قرر جراح هايتي يعمل بمستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية، وقرر على نفقته الخاصة، أن يجري جراحة تفصل بين التوأمين، فاستدعى لذلك مجموعة من الأطباء المساعدين وأجريت العملية بهايتي ورفض أن يجريها بالولايات المتحدة الأمريكية، واستغرقت العملية 07 ساعات، ورغم أن مشاكل حدث أثناء العملية، إلا أنه واصل العملية وأنهاها بنجاح باهر، معلنا للجميع وهو يحتضن التوأمين المنفصلين ..

هذه هدية لأرضي ووطني التي تربيت في ثناياها وعشت بين أحضانها، وها أنا ذا أرد لها بعض الجميل العالق في رقبتي.

العبرة من سرد القصة، أن المرء يخدم أهله ووطنه بالقليل الذي يملك، وإذا إستطاع أن يتجاوز ماعلق بالذاكرة من سوء تجاهه، ويستحضر ماقدم له من خير كبير.

إن الرزق لايعرف الزمان والمكان، لكن الوفاء يعود إلى أول مكان ليعيش عبره الزمان الأول.

الصهاينة لم ينسوا أرض الميعاد، فعادوا بعد 20 قرن من التيه والضياع، يخدمون النجمة السداسية، ويحيون ذاكرة التوراة، التي نعتبرها من الحيف والزيف. ويهود فلاشا الأثيوبيين، وهم الحفاة والعراة عادوا لينافسوا يهود الشرق والغرب، ويخدمون أرض الميعاد، بما أوتوا من إيمان تجاه قضيتهم، التي يرون فيها العدل والحق.

فإذا كان هذا شأن المعدوم تجاه "أرضه" و"وطنه"، أفلا يكون من باب أولى سلوك غيره تجاه أرضه ووطنه، وهو الذي تربى في أحضانه، وترعرع في نعيمه، وتعلم في جامعاته، كان له العون والحماية.

لاأطالب أحدا أن يعود لأرضه الجزائر فربما كان وضعه هناك أفضل وهو أدرى من غيره في إستقراره أو عودته، لكن أدعو كغيري من الجزائريين أن يلتفت لهذا الوطن حين يسمع أنينه ويتألم لصراخه ويرى أيدي تمتد له وهو القادر على العون والإحسان.

وإنه لمن دواعي غرس الأمل من جديد، أن يتابع المرء على موجات الإذاعات المحلية، تدخل الجزائريين المقيمين في الخارج لمساعدة إخوانهم في أرض الوطن بما يحتاجون إليه ويطلبونهم حثيثا من دواء مفقود، وجراحة عسيرة، ووسيلة غالية، وتسهيلا في الوثائق والإجراءات.

إن أضعف الإيمان أن يتذكر المرء فضائل هذا الوطن، وأعلاها السعي بما يملك ويستطيع لأجل مضاعفة هذه الفضائل التي كانت لأجله ولأهله وأحبابه.

إن الجزائر أغلى من أن ينساها المرء ويتنكر لجميلها بحجة، سوء أرتكب في حقه أو حق أنتزع منه ظلما أو حقا.

إن الديكتاتورية الممارسة في هايتي، وكل أنواع الظلم والفقر، لم تمنع الجراح الهايتي من رد الجميل لوطنه، وخدمته وخدمة أبناءه وإعادة البسمة للجميع، لأن رد فضل الوطن أكبر من لحظات غضب، وأعلى من أن يبقى المرء حبيس حقد وبغض.

وإني متأكد، أن ماقام به الجراح الهايتي، سيساهم في التخفيف من حدة الديكتاتورية، وإعادة بعض الحقوق المسلوبة المهضومة لأصحابها، بسمو أخلاقه وجميله الذي يعلو الأحقاد المدفونة.

في المثقف اليوم