أقلام حرة

العرب بين العلمانية والطائفية!!

جرت العادة أن يوصف الساسة العرب بأنهم أما علمانيون أو طائفيون، وقد مضى الترويج لهذه الثنائية على مدى عقود، بينما في حقيقة أمر العرب أنهم لا هذا ولا ذاك.

فلم تنشأ في بلدانهم أنظمة ذات طبيعة علمانية بالمعنى العملي والدقيق لهذه التسمية ولا أنظمة طائفية على الإطلاق.

العرب لديهم معضلة أساسية مزمنة وذات مضاعفات خطيرة بدأت منذ أن غادرهم مؤسس أول دولة عربية إسلامية في تأريخهم، وجوهر مشكلتهم أن الذي أسس دولتهم وعلمهم مهارات الإدارة والحكم كان نبيا، وبعد وفاته أصيبوا بصدمة وذهول، وفقدوا قدرات الفصل ما بين النبوة والقيادة وما بين السياسة والدين، وما توصلوا إلى حسم علاقة الدولة بالدين، وإنما بقيت العلة مستشرية على مرّ القرون ولا تزال في أوجها.

فقضية العرب ليست علمانية أو طائفية، وإنما هي عدم إستيعابهم للتفاعل ما بين الدولة والدين، رغم أن العديد من المجتمعات الإسلامية الغير عربية، قد أوجدت علاقة معاصرة ذات قيمة حضارية متميزة كماليزيا وأندونسيا ودول أخرى، برعت في التفاعل الإيجابي المفيد.

وبعد أن تواجدت العديد من الأحزاب الدينية السياسية في المجتمعات العربية، دخلت الأمة في مأزق علاقة الدولة بالدين وأنظمة الحكم بالدين، فحصل الذي حصل، وجرى ما جرى من تداعيات وتفاعلات خاسرة ومدمرة للدولة والدين.

ولا يمكن للعرب الحياة وفقا لمنطلقات العصر، إن لم يجدوا حلا دستوريا وعقدا إجتماعيا يحررهم من هذا الصراع المبدد لطاقاتهم وقدراتهم، وأن يحسموا هذا الأمر، ويريحوا أنفسهم والأجيال من ورطة لا مخرج منها أبدا.

وقد فشل العرب في العقود الأولى بعد وفاة النبي من حل هذه الإشكالية، لإمتزاج العديد من المفردات والتوصيفات وتداخلها لدرجة التشويش والتشويه، والإنتكاس إلى مراحل ما قبل الدين.

وهذه الإشكالية المعقدة تفسر معظم الأحداث التي حصلت بعد وفاة النبي الرسول والقائد والسياسي والمربي، فهو الذي جمع الكثير من الصفات والمؤهلات في شخصه، وتعذر بعده أن تلد الأمة قائدا يتحلى بنسبة قليلة ذات قيمة من مواصفاته، بل أنها صارت متصلة به وحسب، لأنه النبي الرسول وخاتم الأنبياء والمرسلين.

ولهذا فأن الكثير من الدعوات تريد العودة إلى حالة القائد المفقود، وتنسى بأن الذي كان في زمنه لا يمكنه أن يتحقق في غير ذلك الزمان، لغياب القائد النبي الإنسان، ولتبدل عناصر المكان والزمان . ولعدم وعي المرتكزات السلوكية والفكرية والنفسية، فأن الأمة تعيش في منحدرات وإنكسارات تكلفها كثيرا من التداعيات وتهلكها في الصراعات.

ولا بد للمسلمين العرب أن يدركوا بأن الدول كيانات لتنظيم الحياة البشرية، وتحقيق التعايش والأمن والسلام وضمان ممارسة المعتقدات، والتعبير الحر عن الأفكار في أطار الدستور والقانون الذي يحفظ حقوق الجميع بلا تمييز.

فكل ذي دين ودينه، ومع غيره في الدولة التي يعيش فيها، ومن غير هذا الوعي والسلوك، سيبقى العرب في منحدرات التلاحي والهلاك المبين!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم