أقلام حرة

علاقة الشمال بالمركز عار على جبين الحاكمين..

elmrazik almustafaعالجت الدراسات التاريخية ما يكفي من عمر سنوات الفضاء الجغرافي المتكون من منطقتي جبالة والريف، سواء في فترة ما قبل الاستعمار أو ما بعدها. واليوم، لم يعد هذا الموضوع من التابوهات في بداية القرن الواحد والعشرين.

لكن، مادام الانتساب الجغرافي لهذه المناطق والدفاع عنها، من خلال الرموز المادية واللامادية الموشومة في ذاكرتها الجماعية، يصنع مزيدا من اللبس لدى بعض المنحرفين سياسيا، فهذا يؤكد مرة أخرى أن ورش الذاكرة لازال يستحق منا جهدا استثنائيا، وأن عملية الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ليست عملية بسيطة يمكن الحديث عنها من منبر الأسئلة الشفوية في البرلمان أو في عربات القطار.

لقد انتظر مغاربة الشمال إنصافهم عشرات السنوات.. كما انتظروا أن تكشف الحكومات المتعاقبة عن صفحات التاريخ الوطني المحفوظ في دهاليز ثقافة النسيان، لكن الجواب كان ولا يزال يتمحور حول الثلاثي المشؤوم: الشك، الانتقاء، والتكييف.

إن ما سمعناه من ترهات في البرلمان على لسان أنصار فصيل اللغو اللغوي، يجعلنا أكثر تشبثا بحقنا في الدفاع عن الأقاليم الشمالية التي لم تعرف لا عدالة ولا تنمية، ولم تستفد من حقها بشكل ملموس، كلي، وشامل من الثروة الوطنية.

إن علاقة الشمال بالمركز، علاقة مريضة، بشهادة الإخصائيين في جميع الأمراض الاجتماعية. وأي خطاب يتهمنا بالتحريض حينما نتحدث عن التفاوتات المجالية، فهو خطاب لا يصلح إلا لمن يبحث عن مظلة تحميه من شعاع الشمس الساطعة على هذه المناطق.

كما أن الدفاع - مثلا- عن فقراء بني مزكلدة وبني احمد ورهونة وبني زروال وبني ورياجل وبني مسارة وفشتالة..ألخ، يبخس فعلا جهود الدولة في تنمية الشمال حسب أنصار الحزب الحاكم، وفين كاين المشكل؟

إن التنمية التي ندافع عنها، هي التنمية التي تبنى على قاعدة المساواة الإقتصادية بين كل المغاربة. واذا كنا ندافع عن استئصال اللامساوات عن طريق إعادة توزيع الثروة لتحقيق دولة العدالة، ففين كاين المشكل؟

هناك طريقتان لفهم الأمور: فإما أن الطبقة التي ندافع عنها في جبالة والريف، هي طبقة حقيقية أنتجتها سيرورة عملية تتمثل في كل أنواع آليات الاقصاء، وإما أن هذه المناطق تمنع أفرادها وجماعاتها من الفرص المتاحة للتنمية من طرف الدولة.

لقد قدمت العلوم الاجتماعية ما يكفي من البحوث الميدانية والدراسات النظرية التي بينت الظواهر الاجتماعية المختلفة التي تسلط الضوء على سكان هذه المناطق من خلال تجارب الاقصاء الممنهج لكل الحكومات التي تعاقبت على السلطة. وكمثال على تجارب الإقصاء الممنهج في حق جبالة والريف والعديد من سكان المغرب العميق، نذكر: التعليم، سوق الشغل، الإسكان، الشباب، المسنين، النساء والأطفال.

كما أشارت العديد من الدراسات إلى وجود ترابط متين بين درجة الإقصاء والاندماج الاجتماعي، وبين الاستثمار في مناطق معينة وتفقير مناطق أخرى. ولأن "ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي، بل إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم"، فوعينا بالدفاع المستميت عن مناطق المغرب العميق، هو وعي بما تشكله الموارد الطبيعية والخدمات من ضرورة الضروريات للعيش الكريم.

فما هي موارد جبالة والريف؟

إن الجواب عن هذا السؤال ننتظره بلغة الأرقام من الحزب الأغلبي، حتى نتعرف على اللغة التي يستعملها في مثل هذه النازلة.

وبالتالي، إذا اعترفنا أن سكان جبالة وريافة فقراء، ويستغل فقرهم، وأن هذه المناطق الفقيرة هي جزء من تسعمائة مليون من سكان مناطق العالم التي تعيش في الفقر المطلق، ففين كاين المشكل؟

إن الماء، والطعام، والمدرسة، والتطبيب.. من مصادر الحياة. وإذا كنا مخلصين في نضالنا من أجل توفيرها لجبالة والريف وكل مناطق المغرب العميق ففين، كاين المشل؟

وفي الأخير، من الطبيعي أن نرى اختلاف آراء الناس حول الصفات التي قد نوصف بها هذا الواقع أو ذاك، لكن أن يصل الحد إلى رفع الشكاوى بمن يدافعون عن الفقراء، فهذه حرفة متأصلة عند أصحابها، والغرض منها هو تحويل الصراع.. من الصراع الطبقي إلى صراع الأشخاص واستعمال الكذب والوشاية للدفاع عن الشيطان.

 

المريزق المصطفى

 

في المثقف اليوم