أقلام حرة

خيانة وطن .. أفراح شوقي أنموذجاً

haidar taeiفي كل حالة حرب وصراع يوجد خونة، لأن ثمة مصلحة تتعارض مع الحق ومع الوطن ومع الإنسان، والخائن هو ذلك الشخص الذي يخذل وطنه وأبناء جلدته لحساب أعدائهم، ويلهث وراء مصلحته الشخصية وأهدافه الخاصة متجاهلا مسؤولياته وضاربا عرض الحائط بصوت الضمير إن كان لضميره صوت، ولا يقيم وزنا للقيم والمبادئ سوى تلك التي تؤمّن له رغباته وأهواءه.

مثل هذا الإنسان هو مصداق للحماقة، ذلك أنه كما تقول الحكمة المصرية القديمة إن النجاح ليخطئ الإنسان الخائن، فهو يحسب أن خيانته تحقق له نجاحا معينا في حين لا يصاب النجاح بالخيانة والخسة والدناءة،

في الحرب مع الإرهاب التكفيري الداعشي الأهوج الذي استباح مدننا وشرّد أبناءها وخرب عمرانها وجعلها خرائب وأنقاضا كانت الأسلحة في هذه الحرب متعددة ومتنوعة، ومنها سلاح الإعلام، فالإعلام لعب دورا مؤثرا وكبيرا في ما حدث، حتى إنه لم يعد خفيا على أحد أن قوة داعش إنما كانت قوة إعلامية، فبثّ الدعاية والإشاعات والحرب النفسية والتضخيم وتشجيع شذاذ الآفاق على المجيء إلى العراق وغير ذلك كلها إنما تجري عبر الإعلام الذي استثمرته داعش لصالحها، كما أفادت داعش كثيرا من منابر الطائفية العربية مع شديد الأسف، فالموقف المعادي للتجربة العراقية لكون الشيعة مشاركون رئيسيون في الحكم جعل الكثير يتعاطف مع إرهاب داعش باعتبار أنه يأتي لمصلحة السنة! وإذا ما كانت دوافع هذه المنابر الإعلامية بكل أنماطها وأشكالها معروفة الأهداف والغايات والنتائج التي تريدها لعراقنا الحبيب إلا أن هناك فئة أخرى داعمة لداعش ومتماهية في أهدافه وأغراضه وتقاسمه ريع النتائج التي تطمح إليها واعني هنا بقايا البعثيين، وليس خفيا أن العديد من أمراء وقادة التنظيم الإرهابي هم بعثيون سابقون، ممن استبدلوا أيديولوجيا التكفير بفكر البعث، حيث وجدوا أنهم أقدر من خلال الإرهاب الداعشي على التعبير عن ساديتهم وكراهيتهم وخبثهم..

هذان الصنفان مفهومان مكشوفان معروفا الدوافع والمبررات، ولكن ماذا عن صنف ثالث يدفعك للوهلة الأولى إلى التعجب والاستغراب؟!!

وهؤلاء هم المدّعون للعلمانية والتحرر، الداعون زورا إلى الدولة المدنية، والصادعون رؤوس العباد بشعارات حقوق الإنسان والمرأة والمثلية الجنسية والشكوى من التدخلات الخارجية، وهذه التدخلات تقتصر على إيران لا غير!

في حقيقة الأمر أن هؤلاء ليسوا صنفا غريبا ولا عجيبا، بل هم حثالة معروفة الدوافع وأشباه كائنات مريضة تلهث وراء مطامحها وتسطير بطولات زائفة في ظروف عصيبة تمر بها البلاد وشعبها. إن فهم شخصية هذا النفر من الناس ليس بالعصي ولا بالصعب، فهم نفسيات جمعت بين التأثر بفكر البعث المنقرض والطائفية المقيتة، وارتدت في عين الوقت لبوس العلمانية، وهذه الخلطة مبررها الوحيد أمران، نفوس مشوهة تعاني المرض النفسي والروحي، ومصالح مادية وشخصية ترى أن كل شيء يهون في سبيل تحقيقها، فهم كأية عاهرة في مبغى لا تكترث لقيم وشرف وكرامة، بل ترى في هذه المسميات مجرد قشور يمكن التضحية بها للحصول على لذة المضاجعة مع الشهرة الزائفة أو البطولة المختلقة أو الدولار الأخضر.

ويزيد الأمر سوءا حين يكون هؤلاء ممن هو محسوب على النخبة الإعلامية والمثقفة، ولا يقفون عند كل تلك الحدود الشيطانية بل يتجاوزونها إلى كونهم منتسبون إلى العراق وفي عين الوقت متآمرون ضده، فأية دناءة وخسة وغياب للشرف والكرامة؟

الإعلامي هو الصوت المعبر عن ضمير الأمة، وعن ضمير الوطن والمناهض لكل ما من شأنه أن ينال من بلاده وأبناء جلدته،أما هؤلاء المأجورون فهم حثالة الزبد الطافي على نور العراق الأشمّ، والذين يلفظهم التاريخ إلى مزابله النتنة، ويلحقهم بأتباعهم وشياطينهم الهالكة.

كم أتساءل كيف لعراقي أن يوظف قلمه في سبيل خدمة أهداف الآخرين؟ كيف لهذا العراقي أن يكره أبناء بلده إلى هذا الحد ويتفانى في خدمة الأعداء ويصبح جزءا من دعايتهم مقابل حفنة من المال؟

أمثال هؤلاء كثيرون للأسف بيننا، وجميعنا طالعنا ما تكتبه بضعة أقلام مأجورة ومريضة ممن تدبج أسخف المقالات والتقارير في وسائل الإعلام السعودية، المعروفة بمدى كراهيتها للوضع القائم في العراق، وكم أنها منسجمة مع سياسات الحكومة السعودية ضد العراق؟ ولن يغيب عن ذاكرة العراقيين مقال المدعوة أفراح شوقي التي تجاوزت كل الحدود حتى جعلت من لافتات نعي الشهداء مظهرا من مظاهر الطائفية والتدخل الإيراني في شؤون البلاد؟ وهو موضوع حري أن يقرأه قارئ المستقبل كطرفة من الطرائف ونادرة من النوادر، أن يتحول نعي الشهيد المدافع عن تلك الكاتبة إلى مشكلة بالنسبة لها، وأن يكون أمرا مرفوضا من قبلها! يقول السيد جمال الدين الأفغاني إن خائن الوطن من يكون سببا في خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن، وأمثال أفراح شوقي لم يكتفوا بجبنهم في أن يكونوا كالحشرات التي تلوذ بأوراق الشجر لحماية نفسها بل تقضم تلك الأوراق نكاية بالشجرة! فهذه الكائنة الماشية على حل شعرها في كتابة السخف والسفسطة والتي يتساقط أبطال الحشد الشعبي على الجبهات حماية لها ولأمثالها كي يتمتعوا بالحياة تردّ الدين الوطني والإنساني لهم بأن تستكثر لافتات نعيهم، بل وأكثر من ذلك أن تضيف لماكينة الإرهاب ما يغذي أكاذيبها وفبركاتها؟

أعلم أن ضميرا ميتا لا يمكن مخاطبته ولا بث الحياة في جثته الميتة، ولكن حري بأصحاب القلم المخلص والنوايا الوطنية الصادقة أن يفضحوا هؤلاء الذين باتوا يشكلون جبهة داعش الإعلامية، ويكيلون الطعنات في الخاصرة بتآمرهم المفضوح وخبثهم وحماقتهم. وحري بالجهات المختصة أن تضع حدا لممارساتهم وهذيانهم المستمر، فمثل هذا الهذيان ومثل هذه الخيانة مما يعاقب عليه القانون في كل الدول المتقدمة التي تمر بظروف الحرب. ففي الحرب الباردة كانت السلطات الأمريكية تعاقب الصحفيين والكتاب الذين يظهر منهم ميل غير وطني وبالضد من مصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي، بل طال ذلك كتابا معروفين مثل الروائي جون شتاينبيك، الذي أتهم بأنه يوالي الشيوعية وتم حظر رواياته وإحراق بعضها ووضع تحت مراقبة مكتب التحقيقات الفدرالي وهو صاحب جائزة نوبل؟، فهل العراق اليوم بأفضل حال من أمريكا وهي في حرب باردة بينما يخوض العراق حربا جهنمية صالية وحامية الوطيس نيابة عن العالم بوجه قطعان الإرهاب التكفيري؟!

 

حيدر الطائي

 

في المثقف اليوم