أقلام حرة

اشترى الدين الديموقراطية في العراق

emad aliالديموقراطية الفتية التي بدت ظهورملامحها وتطبيق الياتها على ارض ليست خصبة لها بل تصارعت عليها وسائل العنف والتسقيط في عهد الدكتاتورية في العراق، تراجعت حتى عن بداياتها عما بعد السقوط .

لو اخذنا اية دولة غربية وفيها النسبة الطموحة من الديموقراطية التي يمكن ان نقتدى بها، لم نجد اي مفهوم او اعتبار لمسالة وما تعتبر قدسية مسيطرة على الناس تصارع وتنافس وفي اكثر الاحيان تمنع الديموقراطية من السير على سكتها الصحيحة . اول واقوى المصارعين هو الدين والمذهب والتاريخ الدكتاتوري المضاد الذي يفرض جو من الخوف والتلكؤ والحذر من الحرية المطلوبة كشرط لتطبيق الديموقراطية الحقيقية . فهذه الدول العلمانية وهي فصلت الدين عن الدولة على مر الزمن وابعدت عن نفسها اكبر عائق للسلم والدموقراطية، وبه وسعت المساحة ومهدت الارضية للديموقراطية ولتنفيذ الياتها بشكل سلس لخدمة الشعب ومصالحه،و لكن كيفية ازاحة العوائق مختلفة وهذه ما ابقت على نسب مختلفة منها في الدول العديدة، ولكن لا يوجد ما يقف ضد الديموقراطية بشكل كامل او ما يفرغها من محتوياتها وسموها ويمنعها السيطرة على مضاداتها . لم نجد ديموقراطية كاملة في الدول التي لها تاريخ مليء بالعنف الا بعد معاناة كبيرة مع الواقع التي خلفتها المراحل العنيفة وتسلسل تاثير المفاهيم التاريخية التي سيطرت على تلك البلدان لحين مجيء وتوفر مستوجبات ومستلزمات مرحلة الديموقراطية التي فرضت نفسها، اي لم تصل الديموقراطية الى ذروتها الا بعد فصل الدين عن الدولة كاول معوق لها واول شرط لذلك، وتم ذلك بعد تجسيد ارضية وما هو المطلوب من البنى الفوقية والتحتية لتطبيق الديموقراطية كاحد اهم وانسب وسائل الحكم في التاريخ البشري .

كلما ازدادت فسحة الحرية وما فيها من المعطيات الايجابية المانعة للامراض الذاتية الصنع التي تفرضها محاولات استغلالها من قبل المتضررين منها من السلطات او اصحاب المصالح الاقتصادية والسياسية العامة،كلما كانت فرصة نجاح الديموقراطية اوسع واكبر، ولكن بشرط ان تكون الحرية مواكبة لوجود النسبة المطلوبة من الشعور بالمسؤلية تجاه الديموقراطية ذاتها قبل اي شيء اخر . اي المسؤلية التي تمنع الاضرار بالديموقراطية والحرية بوسائل تفرزها او تتيح لها المجال الديموقراطية ذاتها .

الغرب تخلصوا بشق الانفس وبعد صراعات مريرة ودموية استغرقت قرون من الدين والمذهب كاكبر مانع لتوفير الحرية وانبثاق الديموقراطية وترسيخ ارضيتها وخلق الياتها الملائمة وفق الظروف الخاصة جدا لكل موقع او بلد، وذلك باعادته الى مكانه الاصلي .

اول بلد في الشرق الاوسط بعد تحريره من اعتى دكتاتورية هو العراق الذي حاول المحرر المصلحي تطبيق ديموقراطية بشكل فوقي دون ايجاد ارضية والية تتوافق مع تاريخ وعقلية والبنى الموجودة فيه . عدا تدخل المتضررين الخارجيين والداخليين نتيجة مستوجبات المصالح الخاصة بهم من تامين مستقبلهم والبقاء دون تاثير المستجدات التي تحصل بعد السقوط على مسارهم، واستغل من قبلهم هو عوق الدين والمذهب ومستوى الوعي والثقافة العامة الموجودة في البلد التي ليست بمعوقة للديموقراطية فقط بل مانعة لها من اساسها، لان العراق لم يمر بمرحلة فصل الدين عن الدولة بل انخرط فيه عقلا واحساسا وشعورا ومزج به بشكل لاصق ومؤثر حتى في ادق تفاصيل حياة الفرد، ونرى الفروقات بين المكونات نتيجة ما نراه من التزام ابناء المذهب الواحد والدين الواحد بمرجعيتهم وتعاليمهم الخاصة قبل اي شيء اخر، ولو طلب منهم ان يضحو ليس بمصالحهم بل بانفسهم من اجل ما يطلب منهم مبررين تعاليم الدين والمذهب وان كانت اساس ضد مصالحهم ومستقبلهم وهم لا يعلمون فانهم يقدمون علي ما يؤمرون به .

بعد بداية مبشرة وربما نتيجة رد فعل جميل من قبل الشعب العراقي بعد المعاناة لما بعد سقوط الدكتاتورية، استبشر الكثيرون الخير من التغيير وما ياتي بعده، ولكن سرعان ما انقلب الوضع بعد التعقيدات وتدخلات اصحاب المصالح الداخلية وا لخارجية باسماء وعناوين مختلفة وضيقت على مساحة الحرية وسحبت بساط الديموقراطية من تحت ارجل الشعب بعدما تدخلت المصالح وتراجعت الديموقراطية اثر تفاعل تلك المعوقات مع نسبة الوعي الواطيء، عدا ما موجود اصلا من المعوقات الاجتماعية التي تفرض سدودا على طريق سير الديموقراطية والحرية المطلوبة لها .

فاصبح الدين ومن يقف على ترويجه وفرضه كوسيلة سياسية ويفضله او يعتبره على الضد من العلمانية والديموقراطية وهو غير عليم به اصلا ويدعي خلاف ما يؤمن ويضرب الديموقراطية باسم الديموقراطية الدينية السلطوية غير الموجودة اصلا في جعبة التاريخ الاسلامي . اننا وجدنا انفسنا امام سارق كبير للديموقراطية والسلطة المدنية والذي سرق جزء كبير من التغيير ويريد ان ينهي ما تغير بشكل اخر او ما يمكن ان نسميه شراء ما يعتبره غير صالح من اجل الاستحواذ علىه وعلى الواقع ويمنع تحقيق الهدف الذي تسير اليه الديموقراطية . اي يمكن ان نقول اننا نمر بمرحلة اشترى الدين الديموقراطية بعد ان سرق الجزء الاكبر منه خلال هذه المدة في العراق الذي طمح الكثيرون في ان يكون بداية لمرحلة جديدة ونموذجا للديموقراطية التي بنيت عليها الامال . غير ان الدول الاخرى قد تحررت من تاثيرات افرازات الدين السلبية على الديموقرطية عند استغلاله في السلطة عن طريق فصله واعادته الى مكانه الصحيح وهو فكر وعقلية واخلاق وسلوك الفرد دون الدولة او السلطة، وعليه يجب محاولة اعادة المسروق الى صاحبه ومن ثم البدء في العملية الصعبة بهدوء وتروي .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم