أقلام حرة

سعـــداني، وهـــو!

inas najlawiصدر في الفاتح من جويلية مقال للسيد نور الدين بوكروح في جريدة "لوسوار دالجيري" بعنوان "سعداني، بوتفليقة وأنا". أول ما يلفت النظر أن هذا الترتيب غير الهرمي للأسماء يكشف عن رغبة كامنة في نفس الكاتب لتلقي رد ناري من الأمين العام للأفالان يتصدر عناوين الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي ويسلط الضوء على الوزير السابق العائد من النسيان، أما ادعاؤه انه يهدف من وراء الموضوع إلى تنوير الرأي العام فمجرد تضليل.

في معرض مقاله، يستهجن الكاتب عدم اهتمام اي من وسائل الإعلام بنقل الرد المقتضب الذي خص به سعداني بوكروح -في مؤتمره الصحفي المنعقد بتاريخ 13جوان المنصرم- والذي استهل به الأخير مقاله، ونصه: "بوكروح لعب دورا في إسقاط الرئيس زروال والجنرال بتشين لكنه لن ينجح في إسقاط بوتفليقة. إن كان يستطيع إخراج 10000 فرد إلى الشارع، فإننا قادرون على إخراج عشرة ملايين."

عمد الكاتب إلى تقسيم مقاله -العريض المنكبين- إلى ثلاث أجزاء لتشريح جملة سعداني، والتي اعتبرها تحوي ثلاث أخطاء وشيئا صحيحا واحدا. وسنلجأ -هنا- إلى اعتماد نفس الطريقة في الرد:

1/ الخطأ الأول، يا سي بوكروح، يتمثل في زعمك أن الأمين العام لحزب التحرير انساق وراء معلومات غير مؤكدة وغير مثبتة بشأن ضلوعك بشكل أو بآخر في الإطاحة بحكم زروال. وذكرت انك تستغرب نزوله إلى مستوى ترديد شائعات وافتراءات وهو الذي يشغل مناصب سامية في البلد، فهو -كما كتبت- "عمليا الناطق الرسمي باسم بوتفليقة والرجل الثاني في الدولة باعتباره مساعد الرئيس في حزب الأفالان الذي عاد ليصير الحزب الواحد لأجل تأمين العهدة الرابعة والتحضير للخامسة"!!

لا لا يا حليش، ضربة تماس يا حليش بتعبير حفيظ دراجي! بداية غير موفقة يا سي بوكروح، جانبك فيها الصواب كثيرا! أولا، سعداني لا يشغل اي وظيفة في ديوان الرئاسة وغير مخول للحديث باسم المرادية، فهو الذي ينادي منذ نهاية 2013 إلى عدم تداخل الصلاحيات والاختصاصات. ثانيا، يبدو أن الأمور اختلطت عليك لان سعداني مساعد بوتفليقة فيما يتعلق بأمور الحزب -باعتبار الأول أمينه العام والثاني رئيسه الفعلي- وليس فيما يتعلق بتسيير دواليب الدولة حتى إشعار تحقق مطلب حكومة الأغلبية. ثالثا، لا مساس بالتعددية ولا رجوع عنها لان محيط الجزائر لا يسمح بذلك، هذا على المستوى الرسمي. أما على مستوى الحزب، فالجبهة -إيمانا منها بقاعدتها الشعبية- لا تخشى البتة من التعددية بل تعتبرها مكسبا مهما لا غنى عنه وترحب بالمنافسة السياسية والتنوع الحزبي. رابعا، العهدة الرابعة -التي تجد مرارة في تقبلها- هي واقع قرّره الشعب و عليك أن تنتظر حتى افريل 2019 إن أردت تغييره.

يشدّد بوكروح على براءته من الاتهامات التي حاكتها الصحافة حوله في قضية بتشين لاستهداف شخصه دون مبرر معلوم (عقدة اضطهاد وحالة بارانويا واضحة). ويتحدى سعداني أن يأتيه بدليل من صديقه الحميم القايد صالح يثبت تورطه في إنهاء أسطورة الجنرال بتشين. إن إدراج سيرة نائب وزير الدفاع بهذه الطريقة غير البريئة ماهو إلا إشارة ضمنية إلى الرسالة الشهيرة التي أعقبت مؤتمر الجبهة واتهام مبطن للجيش الشعبي الوطني بعدم الحياد والانحياز لطرف دون الآخر، وهو أمر غير صحيح ولا يتوافق مع مبادئ وعقيدة الجيش. وليس سعداني من طلب من صديقه رئيس أركان الجيش أن يتدخل في الحياة السياسة وينفذ انقلابا ابيضا يضمن للآخرين الوصول إلى المرادية دون خسائر!!

يبدو أن السيد بوكروح بدأ -مع التقدم في السن- يصاب بالزهايمر وهو ما يفسر نسيانه لصيف 1998 الملتهب، حين كان يصول ويجول عبر وسائل الإعلام ويشهر سيفه في وجه الجنرال القوي، لكن الأرشيف الصحفي مازال موجودا وشاهدا على ما حصل.

ألم تبق "قضية بوكروح - بتشين" أو الأصح "حملة بوكروح على بتشين" تتفاعل في الصحف حتى إعلان الرئيس زروال استقالته؟! ألم يصدر عنك يا سي بوكروح في مقابلة مع "يومية وهران" التصريح التالي: "إذا كان الجنرال محمد بتشين يظن نفسه جنكيزخان فعليه أن يعرف أن هذا العصر قد انتهى" وفي مقابلة أخرى نشرتها "لوسوار دالجيري" القول بأن "فترة الرئيس الشاذلي بن جديد والجنرال العربي بلخير ليست أسوأ من فترة الرئيس زروال والجنرال محمد بتشين"؟! ألم تطالب في مقابلة مع "لو ماتان" بالتحقيق في إمبراطورية بتشين الاقتصادية والإعلامية وتتهمه بالفساد وانه سبب أزمة البلاد؟ من كنت تخدم ساعتها يا سي بوكروح؟ وان كان هدفك المصلحة العامة (ونشك في ذلك)، فلماذا الجنرال بتشين بالذات دون غيره لو لم تكن موجها ومأمورا؟

لم يسبقك أحد في تاريخ الدولة الجزائرية -على ما نذكر- في القصف العشوائي والهجوم المكشوف بهذا الشكل الشخصي على ضابط سامي في الجيش قيد الخدمة، وما أدراك مالرجل الحديدي بتشين والذي كان مديرا سابقا للمخابرات الجزائرية (حتى1988) وزعيما على الشرق الجزائري ومستشار الرئيس وصديقه. من أين أتتك تلك الشجاعة الخارقة لتفتح النار على واحد من أبرز أعمدة النظام آنذاك ولم تكن سوى رئيس حزب مجهري فشل في الحصول على مقعد نيابي واحد؟! ومن تكفل وقتها بحماية ظهرك وتوفير الغطاء لك للاستمرار في تجاوزاتك؟!

حربك على بتشين مثبتة بالدلائل في أوراق الماضي ولن يفيد الإنكار في شيء، لكن ما ذهبت إليه في مقالك بأن الشاب بوتفليقة حين أدرك أن الرئيس بن بلة على وشك التخلص منه في 1965، أخذ على الفور يمارس ضغوطات على بومدين لأجل التعجيل بالانقلاب، هو ما يدعو بالفعل إلى الاستغراب والتعجب. فماهو دليلك على هذا التصريح الغير مؤسس والغير مسبوق أم أنك -بشيزوفرينيا شديدة- تدعو الناس إلى تحري الحقيقة واعتماد المنطق والأدلة وتنسى نفسك؟!

2/ الخطأ الثاني، يا سي بوكروح، يكمن في اتهام الشعب الجزائري بـ"السذاجة الوطنية"! لماذا يا حليش، لماذا يا حليش؟ لالالا وضعية تسلل! في نصه الموسوم "سعداني، بوتفليقة وأنا"، استغنى بوكروح عن البلورة السحرية التي لا تكشف له سوى عن النهايات المأسوية وارتدى مئزر الطبيب النفسي فخلص إلى أن الجزائر تعاني من سطوة رجل مصاب بالعناد المرضي واستسلام شعب ساذج، وجداني ومبتدئ في الدين والاقتصاد والسياسة وعلم النفس وكل نواحي الحياة. ولأجل استعادة الإرادة الشعبية المغتصبة، يعكف العالم بوكروح في مختبره على التخطيط لمقترح يتيح للشعب "الممارسة المباشرة لحقه الدستوري حسب المادة 7 من الدستور (السلطة التأسيسية ملك الشعب)" وفق طريقة بمجرد أن تختمر في رأسه لن يتردد في عرضها على الشعب (على شاكلة بيان نوفمبر الثاني ربما)!!

ولكن هل يتحدث بوكروح بجدية وهل يتوقع من القارئ أن يصدق تخاريفه أم انه يمازحنا بإحدى نكات صاحبه جحا الذي يرافقه في جل كتاباته؟! وبمناسبة الحديث عن جحا، يحكى انه أصيب في عقله واعتقد انه حبة قمح، وكان كلما رأى دجاجة، أسرع خوفا من أن تأكله. فأودعته زوجته مصحة عقلية لعلاجه، وبعد أن تأكد الأطباء من شفائه سمحوا له بالخروج. لكن قبل أن يصل البيت، رأى مجموعة من الدجاج في الشارع، فعاد إلى مخاوفه: الدجاج..يا الهي، الدجاج يريد أكلي. أخفيني يا امرأة.. أخفيني. ففزعت زوجته: هل عدت إلى مرضك يا جحا؟ ألم تدرك انك لست بحبة قمح. رد جحا: ليس المهم أن افهم أنا، المهم أن يفهم الدجاج أنني لست حبة قمح!!

يا سي بوكروح، نحن نعي تماما أننا لسنا بحبة قمح، وأننا شعب ناضج يعرف كيف يحافظ على وحدته واستقلال ترابه المروي بدماء الشهداء الزكية. المهم أن تفهم أنت أننا لسنا حبة قمح وأن ترحمنا من نظرياتك الإستئصالية والتي تنص على أننا شعب قاصر لا يعرف مصلحته ويسير كالقطيع الأعمى نحو المذبح فرحا مطمئنا. فشعب الجزائر ليس بحاجة إلى وصاية من احد وخاصة المفلسين أمثالك، فرجاءا كفاك ادعاءا باحتكار الحقيقة والفهم.

3/ الخطأ الثالث، يا سي بوكروح، هو ظنك أن الأمين العام للأفالان كان يخاطبك بجدية ويأخذك على محمل الجد! أعرب بوكروح عن امتنانه لسعداني على تشريفه بالتأكيد على قدرته (اي بوكروح) تجميع 10000 شخص، لكن بالمقابل فإن سي عمار -يواصل بوكروح- سيجد نفسه وحيدا في الشارع، في حال تخلت عنه السلطة. ويفاخر سي نور الدين بأنه يمشي منفردا في أزقة العاصمة ويأتي المواطنون ليسلموا عليه ويلتقطوا الصور معه (يبدو أن صاحبنا يخال نفسه السلطان سليمان ينزل إلى الأسواق لتفقد شؤون الرعية)!! ويتحدى سعداني أن يحذو حذوه!

قد تختلف أو تتفق سياسيا مع سي عمار، لكن كل الذين عرفوه عن قرب يجمعون على تواضعه وبساطته ودماثة خلقه. إن المنصب -الذي لا تملكه يا سي نور الدين- هو ما يفرض عليه إجراءات برتوكولية معينة. وأنت أيام الوزارة، هل كانت تجوب الشوارع منفردا مترجلا؟؟!

سي عمار حين دعا إلى المؤتمر العاشر، لبى النداء 6000 مندوب وانهالت رسائل الدعم والتهنئة من كل حدب وصوب، ولو ترك الباب مفتوحا لهبّ ثلث الشعب لحضور عرس الجبهة. وهو لم يقل أن باستطاعتك حشد الآلاف، بل رد ساخرا على دعوتك الشهيرة لخروج 10000 داعشي بغرض رمي مليونيي جزائري في بحر دم جديد (تخوفوا فينا بربيعكم العبري! غيّروا هذه الاسطوانة المشروخة رجاءا لأن الشعب فايق أكثر مما تتصورون).

سي عمار يدرك جيدا أنك لو تواضعت ونزلت من برجك العاجي ودعوت للخروج، فلن تتمكن حتى من تجميع سكان حيك، فما بالك بعشرات الآلاف؟؟ وهل صدّقت، وأنت صاحب المنطق والعقل، أن الجبهة قد تعرّض الجزائر للخطر وتقبل بإخراج ملايين الجزائريين ضد آلاف الجزائريين لتكون المحصّلة خراب البلد؟! الجبهة ملك كل المؤمنين بها من الجزائريين -وليس فقط مناضليها- ويستحيل أن تدعو يوما إلى شق الصف لأن الجزائر اكبر من الأشخاص، وان كنت لم تفهم أن أمينها العام كان يسخر منك أو كما يقول المصري "يأخذك على قد عقلك"، فتلك مشكلتك!

يكتب بوكروح؛ أنت وأنا يا سي عمار في نفس السن تقريبا لكننا على النقيض، نحن احتمالان مختلفان كان بوسع الجزائر أن تختار بينهما، وقد اختارت من لعب لصالح بوتفليقة ونال رضاه، وليس رضا الشعب الجزائري والذي لم يتكون بعد بالمفهوم السياسي! ثم يعود ليذكرنا انه "رجل دولة" رافق بوتفليقة في عهدته الأولى وما لبثوا أن استغنوا عن خدماته، ما مهد الطريق -حسبه- إلى "رجال النظام" للبروز. وهنا مربط الفرس! فثورة بوكروح العارمة والمفاجئة ليست حبا في الشعب -الذي لا يعترف أساسا بكينونته ولا أهليته- وإنما نتيجة تنامي عقدة التخلي عنده؛ تخلي النظام عنه، وتخلي بوتفليقة عن خدماته. يا سيدي إنّ بيتك من زجاج مكسور!!

الرجل في النهاية يثير الشفقة، فهو أسير النوستالجيا ويقدم نفسه في صحفته الفايسبوكية كواحد من المرشحين الأربع، في نوفمبر1995، لأول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ الجزائر. ويتفاخر -في نصه موضوع الرد- بكتابته سنة 1970 أول مقال في حياته حين كان في سن العشرين، ولو أن الدولة قرأت واستمعت له لتجنبنا 1988 والعشرية السوداء (جنون عظمة حاد)! يا سي نور الدين، ساعتك الصدئة متخلفة زمنيا، فرجاءا غيّرها أو اضبطها على سنة 2015!

ولا يخفي سي نور الدين أن سي عمار يشكل له إزعاجا رهيبا لأنه صار على رأس الدولة، بينما صاحب جحا مازال في ركنه الصغير يكتب مقالات ليترك للأجيال القادمة أفكاره النيرة المقدسة! ويختتم مخاطبا سعداني: "في اي مكان في العالم، يفترض أن يكون أشخاص مثلي في مكانك"!!

لماذا يا سيدي لم تحاول إذن أن تتصدر الطليعة بحزبك الذي رميته بمجرد أن لامست الحقيبة الوزارية؟ أم أن النضال والتعب لا يستهويانك وتفضل الطرق السهلة والركوب المجاني؟ إن كنت تعشق الكرسي، فاقصده واذهب إليه -إن استطعت- ولا تنتظر أن يأتيك ويدعوك للجلوس! فسعداني الذي تشتهي أن تكون في مكانه لم يتخل يوما عن الجبهة التي انضم إليها في سن الـ18 وبدأ من الأسفل كمناضل بسيط وظل يتدرج في المناصب من أمين خلية إلى أمين قسمة إلى عضو مكتب محافظة إلى محافظ ثم عضو لجنة مركزية إلى أن بلغ المكتب السياسي ثم انتخب أمينا عاما.

كلمة أخيرة إلى سي نور الدين: يا بوكروح.. روح داوي روحك، وربي يشفي!!

 

بقلم:

• محمد الجميعي _ رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني وعضو اللجنة المركزية.

• إيناس نجلاوي _ أستاذة جامعية وعضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني.

في المثقف اليوم