أقلام حرة

مع احميدة عياشي في بغضه للصحابة

moamar habarأتابع مقالات الأستاذ احميدة عياشي التي ينشرها يوميا عبر يومية "الحياة" الجزائرية، وقد سبق أن علقت على بعضها عبر صفحتي، إلا أنه خلال هذا الأسبوع لم أستطع مواكبتها بسبب وفاة أمي رحمة الله عليها، وكذا ضعف تدفق الشبكة الذي نعانيه جراء كسل وتهاون إتصالات الجزائر والتي أسميها إنقطاعات الجزائر.

البارحة وفي الحلقة 16بعنوان "ثالوث الغضب: بن مسعود، عمار وأبو ذرالغفاري" ، كانت الملاحظات السريعة التالية ..

يصف احميدة سيّدنا عثمان بن عفان بقوله "كان عثمان مختلفا عن عمر في التعاطي مع الحياة ، فهو لم يكن ميالا الى الحياة البسيطة والمتقشفة بل كان مبهورا برغد العيش ودعة الحياة ومظاهرها الخلابة ، ولذلك فأول ما قام به عثمان عندما اعتلى الحكم هو خلق مظاهر هي اقرب الى مظاهر الملوك في ممارسة الحكم".

فسيّدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، بالنسبة لاحميدة ليس فقط لم يكن متقشفا ولا ميالا للحياة البسيطة، بل مترفا ويعيش عيشة البذخ والترف، ولم يكتفي بذلك بل مارسها بمجرد إعتلاءه كرسي الخلافة.

والمعروف عن سيّدنا عثمان بن عفان، أن حياته لم تتغيّر سواء قبل توليه الخلافة أو بعدها، ثم إنه رجل غني من قبل أن يسلم، وهو الذي جهّز جيش العسرة، وساهم في تحرير عدد من العبيد بماله الخاص، فكيف يكون كما وصفه احميدة؟.

يقول احميدة "بعض الصحابة الذين لم يكونوا راضيين على نهج عثمان الذي فتح على مصراعيه امام الركض الشره وراء الثروة والجري نحو ضم الاقطاعات وتشييد الدور وامتلاك الضيعات".

فعلا، بعض الصحابة لم يكونوا راضين على سيّدنا عثمان بن عفان، لكن ليس كما إدعى احميدة ، بل بما رأوه من ثراء على البعض، مقارنة بما عاشوه مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخليفة أبى بكر والخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما.

إذن المسألة لاعلاقة لها بالثراء الفاحش المفرط كما إدعى احميدة، بقدر ماهي مقارنة بين فقر وجوع وزهد في العهد الأول، وتحسن معيشة في عهد عثمان بن عفان، بسبب الفتوحات الاسلامية، وما نتج عنها من رفع المستوى المعيشي، دون نكران بعض مظاهر الترف التي لم تكن في العهد الأول من الإسلام.

يقول احميدة "عارض ابو ذر سياسة عثمان وانتقد الفساد المالي الذي كان طاغيا في المدينة وفي الامصار ولم يتردد في توجيه نقده الجذري والمباشر الى الخليفة الثالث فاتهمه بالمحاباة ومن استجلاب ابناء اعداء النبي ليكونوا في بطانته، حيث ولاهم مقاليد الامور"..

من حقّ سيّدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، أن ينتقد أي صحابي وأيّ خليفة من الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم جميعا.

وما يجب الإشارة إليه، أن سيدنا أبي ذر الغفاري زاهد بطبعه مدبر عن الدنيا، فمن الطبيعي أن يعتبر تحسن المستوى المعيشي الذي برزعلى السطح في عهد سيّدنا عثمان بن عفان، ترفا وبذخا يجب مقاومته ومحاربته، لكن احميدة أساء لسيّدنا عثمان بن عفان، حين وصف تسييره بـ " الفساد المالي".

يقول احميدة "وهو الى جانب ذلك كان معروفا بمجاهرته في قول الحق، وذلك ما جلب عليه غضب عثمان عندما امتنع عن موافقة عثمان في عملية جمع نسخ القرءان ولقد كان لديه رأيا مختلفا عن عدد حملة القرءان في مسألة ترتيب الصور، كما اعلن عن احتجاجه ضد عثمان عندما قام هذا الاخير بحرق مختلف النسخ ، وحافظ فقط على ما سمي بمصحف عثمان، واعترض على عملية الحرق لانه في نظره كلام الله لا يحرق ".

حين يصف احميدة سيّدنا عبد الله بن مسعود بقوله " كان معروفا بمجاهرته في قول الحق، وذلك ما جلب عليه غضب عثمان"، يفهم من كلامه أن سيّدنا عثمان بن عفان كان يكره الحق، ويبغض الذي ينطق بالحق، وحاشاه أن يكون كذلك.

ثم إن موقف سيّدنا عبد الله بن مسعود الرافض لموقف سيّدنا عثمان بن عفان، رضي الله عنهما حول طريقة جمع القرآن الذي نقله احميدة ، يعتبر رأي كغيره من الأراء ، تخضع للنقاش والأخذ والرد، ولا علاقة لها إطلاقا بالحق والباطل، ولا يعني أن سيّدنا عبد الله بن مسعود ينطق بالحق، وأن سيّدنا عثمان بن عفان يرفض قبول الحق.

يقول احميدة "واثار ذلك امتعاض وغضب كل من عائشة ارملة النبي". أعترف أني لأول مرة في حياتي، أقرأ لقب أرمل يطلق على أمهات المؤمنين، والمعروف أن اللقب الذي يليق بهن هو زوجات النبي وأمهات المؤمنين، هذا من جهة.

من جهة أخرى، الأرملة يمكنها أن تتزوج بعد إنقضاء عدتها، لكن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، لايليق بهن ذلك، لأنهن أمهات المؤمنين.

ثالثا، هل احميدة يطلق لقب أرملة على سيّدتنا وأمنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها فقط؟. أم يطلقه على كل زوجات سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

احميدة لم يتطرق لمصطلح المبشرين بالجنة، كعثمان بن عفان وغيره، ويتحاشى عمدا التطرق لهذا الموضوع وغيره من الأمور التي تتعلق ببعض الغيبيات، كبشارة النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة، لكنه حين جاء على ذكر سيّدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه، يقول عنه "و يقال ان الرسول قد قال له ذات يوم " ستقتلك الفئة الباغية". احميدة يعترف بالغيبيات حين تكون ضد الخلفاء الراشدين، منهم عثمان بن عفان، ولا يتطرق إليها حين لاتخدم فكرته التي يرمي إليها.

بقيت الإشارة إلى أن الأستاذ احميدة عياشي، حين يهاجم الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم جميعا، يذكر كل ميزات خصومهم ويعددّها ويشرحها، وكأن الخلفاء الراشدين من السوء إلى درجة أن أصحاب الميزات والفضائل عارضوهم وخاصموهم وحاربوهم.

 

معمر حبار

 

في المثقف اليوم