أقلام حرة

دَواعِشُ السِّيَاسَةِ وسِيَاسَةُ الدَّواعِش (1)

mohamadjawad sonbaالكل سمع ولا يزال يسمع بعض التصريحات لمسؤولين عراقيين نجباء، بان لداعش اذرعاً، تعمل في جوانب مختلفة، غير الجانب الارهابي الذي تختص به داعش. نسمع مثل هذه التصريحات الجريئة جداً، بالقياس مع تستر الأعم الأغلب من المسؤولين العراقيين، بكل تنوعاتهم المذهبية والسياسية.

فبالاضافة الى الذراع الاجرامي الارهابي لعصابات داعش، الذي فتك بالعراقيين الابرياء، وكان واحداً من اسباب هدر المال العام، واستشراء الفساد وتدمير البنى التحتية، وايقاف تطور البلد، فان لداعش اذرع أخرى تسهم في تكامل عملها على أرض الواقع.

يجب على المسؤولين في الحكومة العراقية، النظر الى داعش على أنها منظومة متكاملة، وعدم قصر النظر، بوصفها مجموعات من الارهابيين، الذين سمَّم افكارهم التطرف وساقهم الى تفخيخ اجسادهم، وتفجيرها وسط جموع الأبرياء. كلا الامر ليس بهذه البساطة، فالانتحاري ذو الهندام القذر، وصاحب الشعر الاشعث والملابس الوسخة والمشاعر الميتة، هو نتاج وثمرة جهد مدروس وموجه ومخطط له، منذ سنوات عديدة، وعلى يد أجهزة متخصصة في صناعة الارهاب. وهذا الجهد يكون تحت اشراف اشخاص متخصصين في المجالات التالية:

1. علم النفس والاجتماع والتربية.

2. متخصصون في التدريب البدني العنيف.

3. وآخرون متخصصون في العلوم العسكرية وتعبئة حرب العصابات.

4. واجهزة متخصصة في مجال المخابرات الدولية والمحلية والشؤون الأمنية.

5. وجهات متخصصة في الاستثمارات الاقتصادية لتغطية نفقات المشروع.

6. وجهاز اعلامي متمرن على تنفيذ مهامه، بمجرد تلقي اشارة الانطلاق من المصدر.

7. ثم هناك اشخاص (الخطّ الناعم)، الذين يتقلدون مهاماً ادارية كبيرة، في الجهاز الحكومي للدولة المستهدفة، لتأمين الترتيبات الادارية والفنية، للتغطية على الانشطة التي (تسبق وتلي) استهداف مجتمع معيّن.

8. ويقع من ضمن جماعة (الخط الناعم)، جوقة من العاملين في الحقل السياسيي، الذين يقومون بمهام ارباك العمل السياسي في الدولة المستهدفة وتشتيت جهودها، عن طريق (التسويق السياسي). والتسويق السياسي يستخدم نفس اساليب عمل التسويق التجاري، لكن بوجود فرق واحد، هو أن التسويق التجاري هدفه الوصول الى المستهلك، واقناعه باستهلاك سلعة معيّنة وتفضيلها على غيرها من نفس النوع. بينما التسويق السياسي، يهدف الوصول الى عقل الانسان العادي، لتحييده بعد خلط الامور عليه، حتى يبقَ بلا موقف على أقل تقدير، او أن يُكسَب لصالح المشروع.

فالارهاب في العراق عمل متناسق ومبرمج ومخطط له مسبقاً، بمهنية وامكانات مادية وتقنية كبيرة. وعلى ضوء هذه الخطوط الرئيسية، يمكن أن نجد الكثير من الاجابات على الاسئلة المتعلقة، بتدهور الوضع الامني في العراق، منذ الاحتلال الامريكي له ولحدّ الآن. ويجب ان نتذكر الصفحات الأخيرة التي وصل اليها الوضع الأمني في العراق، المتمثل بسقوط مدينتي الموصل والانبار.

فهل يعقل ان تسقط مدن بضواحيها وعشائرها، بيد عدة مئات من المتسللين اليها من الدواعش، وتبقى هذه المدن تحت احتلال داعش، دون ان يقوم اهلها بمقاومة هذه العصابات وتحرير مدنهم منها، ولو بالحجارة والأسلحة البيضاء على أقل تقدير؟.

و هل يعقل ان سياسيوا داعش في بغداد، يتجرؤون ويهبّون يوم 8 تموز 2015 هبة رجل واحد، مطالبين الحكومة المركزية من خلال بيان القوه امام وسائل الاعلام، بايقاف عمليات الطيران، على المناطق التي تحتلها داعش في محافظة الانبار، بدعوى ايقاف القصف العشوائي للمدن والذي يستهدف المدنيين الابرياء؟.

كما طالب سياسيوا داعش الحكومة العراقية، بعدم المساس برواتب الموظفين الذين يعيشون تحت خيمة داعش في محافظتي الموصل والانبار.

والسؤال:

كيف تسمح الحكومة لهذا الطرف او ذاك بتشويه صورتها امام الجمهور؟.

ألا يعد ذلك تآمراً على أمن الدولة، ومحاولة لاثارة الفتن الداخلية؟.

لماذا تصمت الحومة المركزية، وكأن على رؤوس كبار مسؤوليها الطيّر، لتظهر دائماً بمظهر المتخاذل والخائف أمام المتحدين، بدعوى احترام حريّة التعبير عن الرأي؟.

أين صوت الناطق الرسمي باسم الحكومة، ليبين للمواطن العراقي سرّ هذه الملابسات؟.

وهل الناطق الرسمي باسم الحكومة، يعجز من توجيه سؤال، الى اهالي الموصل والانبار وتوابعهما:

هل وصلت الذلة والمسكنة بأهالي مدينتي الموصل والانبار، المسترخين تحت سلطة داعش في تلك المحافظتين، بأن يعجزوا عن مقاومة داعش حتى بالحجارة والهروات والاسلحة الشخصية، إذا كانوا أناساً لا يحتضون داعش ولا يتشرفون باحتضانها؟.

ان منطق الوطنية، يحدد مسارين للهوية الوطنية، لا ثالث لهما:

أما سلامة الارض والعرض. أو نيل الشهادة دفاعاً عنهما.

وما عدا ذلك فهي خيانة للدين وللوطن وللعرض. وللموضوع تكملة في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

 

في المثقف اليوم