أقلام حرة

الحل الثقافي لأزمة غرداية

moamar habarيحزّ في نفوسنا كثيرا، أن تشتعل النيران في غرداية وهي جزء من الجسد الجزائري، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمّى. ويبقى السؤال، ماهي الأسباب التي أدت إلى تعفن الوضع؟. وكيف يكون التعامل بعد معرفة الأسباب؟.

مايحز في نفس، أن بعض الجزائريين هم سبب مايحدث في غرداية من مآسي وقتل للأرواح البريئة وحرق الممتلكات وتخريب ماأنشىء منذ قرون، وتعطيل كل مايؤدي إلى الهدوء والاستقرار. وهذا النوع غير الظاهر للعلن هو الأخطر، لأنه لايهمه أن تحترق الجزائر بأكملها، ولا يرى من اللهب المتطاير والدخان الصاعد، غير التفسيق والتكفير والتفجير.

بين يدي الآن موقع جزائري يصدر من العاصمة الجزائرية، بتاريخ الجزائر في: 29 ، جمادى الثانية 1426ﻫ، الموافق ﻟ: 4 أوت 2005م، يقول صاحبه عن الإباضية..

"فالإباضيةُ من فِرَقِ الخوارجِ .. ومناكحتهم جائزة وموارثتهم حلال وغنيمة أموالهم حلال وما سواه حرام .. ولا يخفى أنّ الإباضية قد خالفوا عقيدةَ جماعة الإسلام.. وخالفوا منهجَ أهلِ السُّنَّة والجماعة".

ليست من صلاحيات هذه الورقة مناقشة مثل هذا الكلام، لكن مايجب التأكيد عليه، أن مثل هذا الكلام سبب في تصاعد النيران بغرداية، لأن قائله والداعي إليه في هذه الظروف بالذات، يؤجج الأوضاع ويزيدها تعفنا ولهيبا.

إذن بالإضافة إلى الحسم العسكري المطلوب في وضع حد لما يحدث في غرداية، متمنين لهم السداد والتوفيق فيما يحفظ أمن الجزائر وسلامتها، لابد من معالجة الأمر من الناحية الثقافية الاجتماعية، لأنه يبدو أن البذور الثقافية الاجتماعية سبب فيما يحدث من مأساة في غرداية، ومن بين هذه الوسائل..

فتح المجال الإعلامي السمعي البصري للتعريف بالمذهب الإباضي، وتقريبه للمجتمع وتبسيطه، وفتح المنابر والمساجد للتعريف بالإباضية والإباضيين، والاستعانة بعلماء الإباضية في التفسير والفقه، قصد إزالة كل شبهة عالقة أو سوء فهم عابر أو راسخ.

من الأخطاء التي ترتكب في الجزائر، معاملة أهل الجنوب منها غرداية، على أنها مناطق سياحية، لاتختلف في شيء عن نظرة الغربي للعربي الجزائري، الذي يرى فيه مجرد خيمة وناقة، فأصبح من الضروري التعامل مع الجنوب ومنها غرداية على أنها عمق إستراتيجي للجزائر، وجزء لايتجزء من الثقافة الجزائرية العربية الاسلامية الصافية النقية، يتطلب الرعاية السامية والعناية الفائقة والدعم الكامل من حيث التنمية والتطور.

إن الاهتمام بالعاصمة وما حولها، جعل المناطق الداخلية ومنها غرداية، تشعر بالغبن والتهميش وأنها ليست محل إهتمام، ولعل النيران الملتهبة فرصة للالتفات من جديد للغبن الذي تعيشه المناطق الداخلية، والاستفادة من مشاريع التنمية العادلة التي ترفع من المستوى المعيشي، وتخفف من حدة التوتر، وتزيل بعضا من العوائق التي كانت دوما سببا في إنفجار الأوضاع.

ومن زاوية أخرى لابد من التعامل بصرامة بالغة مع كل من ينشر التفرقة باسم الدين بين الجزائريين، ويكفر الإباضيين فيعتبرهم ضالين، لمجرد أنهم يسدلون في الصلاة، لذلك كان من الضروري الاستعانة بعلماء الإباضية وفتح المنابر الإعلامية والمساجد أمامهم وأمام كل جزائري، يسعى لتقريب القلوب، وإطفاء الفتنة التي أتت على تعايش سلمي دام منذ قرون وفي عهد الاستدمار.

إن من أبرز مايميّز الثورة الجزائرية، أنها ملك كل الجزائريين بمختلف معتقداتهم السياسية والدينية، واستطاعو بهذا التلاحم والترابط، أن يواجهوا أعتى قوة أطلسية غربية، ولم تستطع فرنسا الاستدمارية، أن تشق عصا الأخوة الجزائريين. فكيف وبعد إسترجاع السيادة الوطنية، يأتي من يشعل النيران بين الأحبة ، بقوله إن الإباضيين من الخوارج، فيزيد الوضع تأجيجا ولهيبا وتعفنا.

المعالجة العسكرية لامفر منها في مثل هذه الحالات، لكن المعالجة الثقافية الاجتماعية، ضرورة تستلزم الاستعانة بها والترويج لها على أن يشرف عليها من يحسن استخدامها ويؤمن بضرورة الحفاظ على وحدة الجزائر وسلامتها.

وأختم المقال بما كتبته على صفحتي بتاريخ .. الجمعة 23 رمضان 1436 الموافق لـ 10 جويلة 2015

البارحة وفي جلسة مع عسكري جزائري ، أقول له..

سورية، ليبيا، اليمن.. بدأت بنفس السلمية التي بدأت في غرداية..

لاتحتقرن الرماد، فقد تلهب نيرانه نفخة أو نفختين..

فاعملوا على إخمادها بالقوة إذا استلزم الأمر، وبما يضمن أمن وسلامة الجزائر. فقد إلتهبت النيران في غرداية في غفلة من صناع القرار، فلنكفر عن ذنوبنا بوقف هذا النزيف، وإعادة الأمل لهذه الغزلان البريئة التي إلتهمتها النيران.

 

 

في المثقف اليوم