أقلام حرة

محابس الطائفيين أضبط من مصباح علاء الدين!

qassim salihyتقوم فكرة حكاية مصباح علاء الدين على سيكولوجيا أن الفقراء يحققون في الخيال ما يصعب عليهم تحقيقه في الواقع.فعلاء الدين شاب فقير جدا ويتيم الأب يتعهده ساحر بانه سيجعله تاجرا ثريا شرط ان ينزل الى كهف العجائب المليء بالمخاطر ويأتيه بالمصباح السحري.يجازف علاء الدين ويدخل الكهف ويحصل عليه، فيحاول الساحر السطو على المصباح وابقاء علاء محاصرا في الكهف. وبحركة عفوية .. يقوم الشاب علاء بفرك خاتم سحري كان الساحر قد اهداه له .. فيخرج منه (جني) يأخذ علاء الى بيته ومعه المصباح .. وحين تقوم والدته بتنظيف المصباح .. يخرج منه (جني) اقوى يقول لصاحبه: شبيك لبيك .. عبدك بين يديك .. ويحقق له كل ما يطلبه .. بما فيه المستحيل!

الذي دعاني لكتابة هذا المقال ليس بعض السياسيين الطائفيين الذين كانوا في السابق يبيعون المحابس الخردة .. وحقق لهم (مصباح امريكا) ما هو ابعد من الذي حققه مصباح علاء الدين .. وصاروا يلبسون اغلى المحابس المرصعة بالياقوت والزمرّد المستوردة خصيصا لهم من ايران واليمن والهند .. بل ما بلغني من ان المدينة الفلانية في بغداد يوجد فيها دكان لتأجير المحابس!. واستوضحت الأمر، فكانت قصة خلاصتها: اذا عصت عندك قضية، عليك بـ(تأجير محبس)! فسيحققها لك باسرع مما يعد به شيخ (افندي!) لديه برنامج اسبوعي في احدى الفضائيات بانه يعيد المطلقة الى زوجها في ست ساعات!.

والمدهش ان محبس عن محبس يفرق .. ما اذا كان له "فص" او "خرزه" .. وثمن تأجيره يختلف ايضا بحسب منشئه .. ما اذا كان "الفص" من ايران، الحجاز، اليمن، الهند .. وبحسب نوعه:عقيق، ياقوت، سليماني .. وبحسب لونه:أزرق، فيروزي، قهوائي .. وبحسب مدة التأجير:يوم اسبوع، شهر .. وبحسب نوع القضية وصعوبتها، فان كنت تريده من اجل التعيين .. فله سعر، وان اردت كسب قلب "بت حلال" أعجبتك .. فله سعر آخر، وان كنت محتارا بين خيارين "أروح؟ ما أروح؟" فله سعر ثالث .. وهكذا ، كل قضية بسعرها.

كما ان لطريقة استخدامه تعليمات بحسب كل قضية. فاذا دخلت على المدير بهدف الحصول على وظيفة ، عليك ان توجّه "خرزة" المحبس بطريقة ذكية نحو وجهه. واذا رايح تخطب "الحبيبه- بضم الحاء"وابوها معاند .. عليك حين تجلس معه أن تضع يدك على خدك .. السبابة الى اعلى والابهام اسفل الحنك والمحبس في البنصر "مهدّف" نحو وجه أبيها!.

واذا كنت تريد ان تخطب ودّ مسؤول او شخص لديك عنده مصلحة، موافقة على مقاولة مثلا! .. أدر "فص" المحبس ليلامس باطن يده حين تصافحه .. وزد عليه، ان استطعت، بأن "تحكّه"بظاهر يده وبأسفل كتفه الأيسر قريبا من قلبه!. وان اردت التنبؤ بما سيحصل لك .. ضع المحبس تحت الوسادة مع قطعة خبز وعملة معدنية ونم قرير العين ليأتك الصباح بالخبر اليقين.

والحلّ مضمون في كلّ قضية: تعيين، زواج .. زيادة رزق، حب، كفخه .. وما عليك سوى تأجير محبس! .. ليقوم بدور قريب من "شبيك لبيك .. التريده بين اديك". واذا اعجبك المحبس وأردت شراءه .. عليك أن تأخذه الى "شيخ" اختصاص بالقضية! .. يقرأ عليه ويختمه باسمك .. والسعر هنا قد يزيد على المليون!

واللافت أن كثيرين صاروا يلبسون المحابس بينهم من ينطبق عليه قول دارمي شاع في الفيسبوك: (عمامه بسبع لفات واربع محابس/وقبل السقوط بيوم زيتوني لابس!)، وبينهم مسؤولون يلبسونها لا بهدف تعيين أو محبّه ، انما التبرّك بها كون "فصوصها" احجار كريمة وفقا لظاهر السبب، مع ان الخفي هو دفع الحسد أو الحماية، او علامة دالّة حين يرفع يده أمام كاميرا التلفزيون .. أو لغرض آخر "أفادني" به شيخ في مقابلة تلفزيونة قال ، مؤكدا، أن لديه سبعمائة الف جنّي بخدمته .. فردّ عليه رجل دين فاضل: وليش متأخر شيخنا .. نزلّهم بالانتخابات واكيد تصير عضو برلمان اذا مو رئيس جمهورية!.

قرة عيون الطائفيين الذين اشاعوا كل انواع الخراب .. بدءا بالوطن والقيم والاخلاق وانتهاءا بالتفكير الخرافي. والحق معهم .. فما صنعته محابسهم لهو اضبط مما صنعه مصباح علاء الدين .. فهذا حقق امنية لواحد فقط فيما محابسهم حققت لمئات منهم ابعد بكثير من امانيهم وما كانوا يحلمون به، فبفضلها .. اعيد انتخابهم ثلاث مرات وكفخت الناس عن انتخاب حتى من يحمل دكتوراه في الاقتصاد السياسي!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم