أقلام حرة

فن تحقيق المستحيل ..!!

jassim walaiمنذ ان بدأت أحاسيسي ومداركي تتحفز لما يحيط بها من ظروف، اخذت ابحث عن التفسيرات، عندها تولدت لدي آراء ومواقف، وبها تكونت شخصيتي التي مازالت ترافقني ليومي هذا، حتى أدركت اخيراً انها كانت وراء اغلب ما واجهتني من مشكلاتٍ وظروفٍ صعبة طوال سنوات عمري الماضية، وما لحق بها من اخفاقات وخسائر لفرص كانت في متناول اليد، فضلاً عن مكاسب تركتها تذهب هباءً، حرصاً على الأفكار والقناعات التي وجدت الطريق سهلاً للوصول الى رأسي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحال بل دفعتني للتفكير بالعدالة والمساواة والحرية والحقوق الإنسانية وحرضتني للعمل من اجل تحقيقها وان صرت لها قرباناً.

وانا كغيري اعتقدتُ ان سقوط الدكتاتورية ستنقل البلاد الى عهد جديد يحمل كل المعاني التي حـُرمنا منها قسراً، والذي شكل فرحة كبيرة لغالبية العراقيين، الا الذين كانوا من أدوات النظام في القتل والتنكيل والتهجير، او ممن تضررت مصالحهم التي كانت مرتبطة بعجلة ذلك النظام، فضلاً عن الآخرين من الشوفينيين. وأعتقدتُ أيضاً ان المستقبل سيحمل لنا خيراً، والفرص ستكون متاحة بشكل متساوٍ لكل شرائح ومكونات الشعب العراقي، وان العدل سيجد طريقه الى حياتنا بمختلف مرافقها، والحرية ستأخذ شكلها الطبيعي خدمة للمواطن والوطن، والقانون ستكون له السيادة، وسيشاع الأمن والأمان والاستقرار، وستكثر أمامنا الخيارات والفرص للتطور والرقي وتحسين احوالنا، ولكن يبدو ان التغيير كان شكلياً وصورياً، فالفساد المالي والإداري زاد أضعافا، والقتل صار مبرمجاً، والاختطاف هواية اخذ يمارسها البعض فضلاً عن فوائدها المالية، والتسليب بطولة ورجولة، والتزوير شطارة وفهلوة، والإنسان أصبح مطية يستغلها البعض للوصول الى الكراسي والمناصب التي تحمل معها مفاتيح أبواب الثراء والامتيازات الوظيفية والمالية.

التغيير أتاح لنا رؤية الكثير ممن غيروا جلودهم مع تغير الظروف والأحداث وتلونوا بالألوان الجديدة، ونالوا المكاسب المادية والمعنوية والعناوين الوظيفية، وظفروا بامتيازاتٍ لا مثيل لها، فضلاً عن التقدير والاحترام والحفاوة وكذلك الحصانة من سلطة القانون، واما من بقي صامداً بوجه تلك الظروف متمسكاً بالقيم والمبادئ رافضاً الضعف، لا يقبل الهزيمة أمام الذئاب والضباع التي تخط نواميس وقوانين الحياة والزمان، سـُحـِق بلا هوادة ورحمة، وأصبح فريسة سهلة للكواسر والقوارض والضباع؟

أدركت اخيراً ان (اللواكَه) مفتاح لحل المشكلات ونيل المراد إلا أنني تيقنت في الوقت نفسه أنها موهبة يخصها القدير بعضاً من عباده كي يزدادوا علوا وثراء، غير اني لم أحظ بتلك الموهبة لأنني لم اكن من الذين اختارهم القدير، وخصهم بالحظ لاسباب لا علم لي بها ولم أجد لها تفسيراً بعد، ولم تطاوعني نفسي لانمائها وتحسينها بشكل ذاتي، وكذلك لم يصادفني من يعلمني اسرارها وسبل ترويض النفس لتقبلها، لخوض غمارها ونيل فرصها وامتيازاتها.

اليوم متطلبات الحياة تفرض علينا الدفع والتنازل اولاً كي نحصل على ما نروم، وانا كنت حريصاً حد البخل على ان لا أفرط بما لدي من افكار ومبادئ وقيم مقابل إكتساب أي صفة أو عنوان أو أمتياز ماديا كان ام معنويا، فحرمتُ نفسي من كل الأحلام التي راودتني في الصبا والشباب وسجنتُ روحي وغرائزي ورغباتي خلف قضبان حديدية.

ياترى هل كنت مخطئاً أم مصيباً؟

ربما البعض يرى انني بذلك قد جنيتُ بحق نفسي وأسرتي واطفالي بسبب الحاجة والحياة المهددة بالمخاطر.

ولكنني أسألهم، كيف لي ان اتخلى عن القيم والمبادئ والأفكار التي حملتها على أكتافي وناضلتُ لأجلها أعواماً طوالا؟

لا ادري، ربما لهذا العصر ضرورات أخرى نحن مازلنا في غفلة عنها لتمشية أمور حياتنا وأسرنا وتحسين أحوالهم.

على اية حال ماذا تقولون ان طالب البعض بتعلم (اللواكَه) وفنونها كأحد واهم الضرورات لهذا العصر، كي يتسنى لهُ إعانة عائلته وتحصينها من العوز، فهل ترونَ في ذلك العجب والعيب؟

وهل هناك من متبرعين لديهم الإستعداد لكشف أسرار تلك الصفة وجعلها طوع من يشاء او من بحاجة لها؟

وهل يمكن لهم تعليم من يشاء بفترة ثلاثة أشهر مثلاً؟

وربما هناك من يطمح ان كانت خلال عشرة أيام، فذلك حقاً سيكون منجزاً جدير بالاهتمام. قد ير البعض ان الحاجة قوية لمفاتحة المسؤولين بتهيئة الفرص بشكل متساوٍ لمن يرغب بتعلم أسرار وفنون تلك الصفة، وذلك بتوفير مراكز تعليمية مجاناً بهذا الخصوص. يتوقع الكثير لتلك المبادرة اقبالاً منقطع النظير، لكونها الواسطة الوحيدة للحفاظ على المكاسب والكراسي والعناوين ولتحقيق الأماني والأحلام بفترة قياسية جداً.

الغريب ان لفظة (اللوكَي) الواردة باللهجة العامية العراقية هي جامعة لعدة مفردات وردت باللغة العربية الفصحى منها (التملق، النفاق، الرياء) وعلى ما أرى أنها لأبلغ معناً منهن جميعاً، وكذلك على ما يبدو ان السيد المسؤول يشعر بنشوة ولذة وهو محاط بثلة منهم، بل البعض يعمل على تجنيد العاملين معه للنفاق على بعضهم البعض والتسابق للتملق اليه.

لا أريد ان أطيل عليكم لانه موضوع متشعب، ولكن أريد ان أقول ان المفاهيم هي الأخرى تتغير بتغيير الزمان والمكان والظروف والأشخاص، والأقوال التي اطلقت قبل مئات السنين او أكثر، ليست بالضرورة ان تكون منسجمة مع مفردات عصرنا هذا ولها التأثير والسحر ذاتهما، ومن هذه الأقوال التي سمع بها أغلبنا وأكثرها شيوعاً هي (فاز باللذات من كان جسوراً)، وكم واحد منا أخذته النشوة والغبطة بنفسه حين كان يردد ذلك القول في مواقف معينة، ولكن يبدو انه جاء اليوم الذي فيه ستزول تلك المقولة وربما الى الأبد لفقدان صلاحيتها ليحل محلها البديل الجديد الذي ينسجم مع لغة ومتطلبات العصر الجديد وروحه ومفرداته، يمارسه الكثير من حيث يدرون او لا يدرون وهذا هو البديل الذي أراه مناسباً ولائقا وعليه أعلنه لكم (فاز بالذات من كان (لوكَياً).

واما بخصوص السياسية وما ورد عنها من تعريف أصبح مشاعاً يلهج لسان الكثيرون به والتي هي تنص على ان (السياسة فن تحقيق الممكن)، فأنني أعتبر وأجد ان (اللواكَه فن تحقيق المستحيل) وبعبارة اخرى (التملق والنفاق فن تحقيق المستحيل).

 

بقلم/ صادق المولائي                

 

في المثقف اليوم