أقلام حرة

الحرامي العراقي أمس واليوم

في زماننا، وقطار العمر يمضي بنا الآن بعيدا، كان الحرامي عندما يسطو في الليل على واحد من بيوت إحدى المحلات الشعبية البغدادية لا يظهر في النهار في تلك المحلة، رغم أن أحدا لم يره في الليل وهو يسطو على ذلك البيت. وإذا مشى في إحدى المحلات المجاورة للمحلة التي سطا فيها على احد بيوتها يمشي وهو ناكس الرأس، بعيدا عن طريق المارة، ينظر بطرف خفي إلى هذا وذاك خوفا من أن ينظر إليه ويشك به، مجرد شك. كان ما يسطو عليه هذا الحرامي من مال بسيط أو أشياء بسيطة في تلك المحلات الشعبية الفقيرة، مهما تعددت سطواته، لا يمكنه من أن يرتفع ماديا ومعاشيا ومكانة عن طبقته الاجتماعية المسحوقة التي جاء منها. كما أن أكثر الحرامية في زماننا كانوا يسطون على البيوت من اجل أن يذهبوا ليسكروا أو يلعبوا القمار أو يراهنوا في سباقات الخيل أو يناموا مع البغايا في محلات منطقة (الميدان،) أو يفعلوا كل هذه الأشياء مجتمعة.

أما الحرامي اليوم فقد صار يسطو على أموال الناس والحكومة في الليل والنهار ويمشي في النهار بطوله في كل مكان بلا خوف ولا وجل والناس والحكومة تعرفه انه هو الحرامي الذي سطا في الليل أو في النهار. حرامية اليوم قسمان: الحرامي غير السياسي والحرامي السياسي. كلاهما يسطوان على أموال الناس والحكومة بكل حرية لأن لا القانون ولا القوة تطالهما وتردعهما. الحرامي غير السياسي غالبا ما ينتمي إلى عصابة عادية أو عصابة تنتمي إلى منظمة إرهابية لغرض تمويلها للقيام بإعمالها الإجرامية. أما الحرامي السياسي فغالبا ما ينتمي إلى حزب أو كتلة أو جماعة سياسية خارج الحكومة أو خارجها، دينية أو علمانية. من الحرامية السياسيين من يتولون اليوم مناصب ومسؤوليات كبيرة في الحكومة الحالية؛ بعد أن كان في الحكومة السابقة قد سطا وسرق وجمع الأموال الحرام واستطاع التخلص ممن كانوا يحاولون القبض عليه ومحاكمته. واليوم يُكافأ بتوليه مناصب رفيعة في الحكومة الجديدة. ومن الحرامية غير السياسيين من ارتفعت مكانته الاجتماعية بعد أن كانت في الحضيض وصار صاحب مكانة وجاه ونفوذ ولا احد يستطيع أن يقول له على عينك حاجب، سوى أن الناس يتهامسون حوله؛ ما كان وما صار إليه.

أحب أن أقف على حقيقة مؤلمة؛ حقيقة عجزنا وضعفنا، نحن العراقيين، عن فعل أي شيء جدي، سوى الكلام؛ تظلما وتذمرا وشكوى، للوقوف بوجه هؤلاء الحرامية من السياسيين وغير السياسيين عامة والحرامية السياسيين خاصة، يحل محل عجز وضعف الحكومة الحالية عن الوقوف بوجه هؤلاء الحرامية الفاسدين، الذين يتفرجون على ما يعاني منه العراقيون المتضررون من هذا الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المأساوي، بل ويضحكون عليهم فيما بينهم، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.

الأمر متروك للعراقيين, (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.) ولكن ليس قبل أن يكون لهم قائد من بينهم يقودهم لتغيير ما يريدون تغييره لصالحهم وصالح أجيالهم القادمة.

لا يَصلُحُ الناسُ فوضى لا سَراةَ لَهُم

ولا سَراةَ إذا جُهّالُهُم سادوا

والبيتُ لا يُبتنى إلا لَهُ عَمَدٌ

ولا عِمادَ إذا لم تُرسَ أوتادُ

فإن تَجَمَّع أوتادٌ وأَعمِدَةٌ

لِمَعشَرٍ بَلغوا الأمرَ الَّذي كادوا

وللعراقيين، المتضررين فقط، أن يختاروا ما يرفع عنهم الضرر أو أن يبقوا على ما هم عليه. و(كل نفس بما كسبت رهينة.)

 

احمد العلي

بغداد

 

في المثقف اليوم