أقلام حرة

التجربة الشيعية تُظلم من جمهورها!

لايخفى على المتابع السخط الجماهيري على حكومة العبادي والذي تمثل بأنطلاق التظاهرات التي بدأت العاصمة بغداد لتمتد الى المحافظات الجنوبية والوسطى مطالبة بالحقوق واسقاط ومحاكمة الفاسدين ومحاسبتهم، وعلى الرغم من وجود المندسين في المظاهرات واستهدافهم للرموز الدينينة والوطنية واستهانة بمواقف المرجعية الدينية العليا من العملية السياسية في البلاد، الا انها كانت تظاهرات منظبطة تطالب بالحقوق والخدمات ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للقضاء لينالو جزاءهم العادل على ما اقترفوه بحق الشعب العراقي من أخطاء كارثية متراكمة للحكومات السابقة، ناهيك عن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وسرقة المال العام وتجميد القضاء وتسييسه لصالح الحزب الحاكم وشخوصه وشراء ذمم الاخرين من شيوخ عشائر وصرف المليارات على مدارس الاسناد، وملف الصفقات الفاسدة من تسليح وعقود وهمية امتلئت البنوك الخليجية والغربية بأموالها، ناهيك عن الرواتب التعاقدية لاناس لم يدخلوا البرلمان ولا الحكومة الا أيام معدودة وحصولهم على رواتب تقاعدية وبمبالغ خيالية فاقت التصورات، ومنحه الامتيازات للمسؤولين وكبار الشخصيات حزبه وغيرها من ملفات فساد كان ختامها سقوط ثلاث محافظات رئيسية في البلاد والذي لم تعرف تفاصيل التحقيق فيه الى اليوم، الى ملف سبايكر الذي لم يفتح ودفن مع من دفنوا في قاعدة سبايكر الجوية التي راح ضحيتها 1700 طالب، فكل هذه الخروقات أدت الى ان تستلم حكومة العبادي الوضع خاوياً وخزينة خالية تماماً، الامر الذي انعكس بالسلب على الوضع الاقتصادي وبالتالي السياسي للبلاد .

هذه التظاهرات حملت شعارات ملفتة للنظر كونها نادت وتنادي بانها حكم الإسلاميين وانهم كانوا وبالاً على العراق وشعبه وهذا بحد ذاته مؤشر خطير على تهديد العملية السياسية و التجربة الشيعية في البلاد، كما ان فشل التجربة الأسلامية يستند الى وصول الاسلامين الى السلطة وعدم قدرتهم على تقديم نموذج عملي صالح للحكم، في ظل هيمنة واضحة على مقاليد السلطة من الإسلاميين، وفي هذا الجانب يتحمل الجمهور الجانب الأكبر في فشل التجربة لانهم اختاروا ممثلين وفق الانتماء الديني والسياسي، بعيدا عن الكفاءة والنزاهة، بل جاءت جميع الاختيارات بعيداً عن قالب الانتماء الوطني او الحرص على مستقبل الشعب ومصالحه العليا، كما ان بنية الأحزاب والحركات الاسلامية كان سبباً اخر في فشل التجربة وذلك عدم تعاطيها الجدي مع الملفات الخدمية بعيداً عن التسيس حتى أصبحت خدمة المجتمع باباً من ابواب الصراع السياسي والحزبي .

تجربة المالكي وحكومته والتي تعد من الحكومات التي اصطبغت بصبغة الاسلاموية، كانت من التجارب الفاشلة وعكست سطحية العقل الجمعي السياسي، وعدم القدرة على التعاطي مع ابسط الملفات في إدارة الدولة، وفي قراءة تحليلية للخطاب السائد في تلك الحقبة نراه يكشف مدى العجز والالتباس الذي اصاب العقل السياسي وتقييمه للتجارب السياسية السابقة، وهو خطاب مؤدلج طائفياً لتبرير فشل التجربة الاسلامية، والتي اشتركت فيه ضحالة العقلية من اجل كسب والحفاظ على مكاسب حزبية وفئوية، الامر الذي أدى الى اندفاع البلاد نحو التصارع الطائفي والحرب الأهلية، هدم اركان الدولة العراقية الحديثة، ويحدث كل ذلك في طل مباركة هذه الحركات الاسلامية .

علينا ان ندرك ان التجربة الأسلامية ومنذ ولادتها قدمت نموذجاً رائعاً في الادارة والقيادة الا وهو الامام علي (ع) وكيف كان سياسيا ناجحاً وقائدا عسكرياً ملماً بفنون الحرب وطريقة تعاطيه مع الأعداء، كما ان تجربة أمير المومنين (ع) كانت مثالا رائعاً في بناء الدولة العادلة، والتي يتساوى فيها الجميع امام القانون، ويتساوى فيها الجميع امام المال، فلا فرق بين نبيل او عبد بالعطايا، فكلا يحمل الاسلام هوية، وكلا يتساوى امام هذه النظرة العادلة للحكم العادل، فهذه التجربة قد أنتجت لنا حكم علي (ع)، فياترى هل التجربة الحالية يمكن عدها من التجارب الأسلامية ؟!!

الجواب ببساطة لا يمكن باي حال من الاحوال عد حكم الإسلاميين بعد سقوط النظام العلماني، حكماً يمثل التجربة الاسلامية، لانها ببساطة لا تحمل أهدافا واضحة في بناء الدولة، وفق منظور الامام علي (ع)، بل كانت هوامش حكومات كانت تسعى الى السلطة وتعويض ما فاتها من سنوات المعارضة، وفق نظرية "الغاية تبرر الوسيلة "، والتي كانت أهدافاً وغايات فاشلة بكل المقاييس والقوانين الوضعية، فلم تحمل بطن أجنداتها اي ورقة لهموم شعب او اوجاع وطن عاش بين مطرقة الظلم، وسندان التسلط البغيض للاسلاميين .

 

محمد حسن الساعدي

 

في المثقف اليوم