أقلام حرة

درس المالكي هل استوعبه العبادي ومن سيليه؟

بدءاً يتحتم علينا الانتهاء من ان مظاهرات العراق العظيمة قامت ضد الطبقة السياسية المتورطة بالعيث بنظام العراق الديمقراطي. كل الاحزاب والشخصيات والتيارات والرموز فاسدة ولو بالاستصحاب والتبعية. فنقول يا ايها المجاهدون الاولون! مرتباتكم ومخصصاتكم ووظائف منتسبيكم وامتيازاتكم واستثماراتكم حرام. يا ايها الاشتراكيون ان ما تقاضيتموه من ثروات العراق استئثار ورأسمالية ظالمة. يا ايها العلمانيون ان ما حزتم عليه من اموال العراقيين عيب ولا يليق بمبادئ الليبراليين العطوفة. يا ايها البعثيون ليس ما فزتم به من كنوز حرام وحسب، بل وجودكم على وجه البسيطة حرام. وبإيجاز قضائي نقول ان الفساد والإفساد والفوضى التي استشرت في كل زوايا البلد تمت بإرادة كل الاطراف اعلاه ومباركتهم وعلى ايدي قادتها وعناصرها في سباق للفرهود لم يشهد له العراق مثيلاً في كل تاريخه العارم. اذاً، فما الذي يرجح كفة السيد العبادي على سواه من السياسيين او الحزبيين فيؤهله لمحاسبتهم؟ جواب هذا السؤال آتٍ في نهاية هذا المقال.

اما ان يتم محاولة حرف وجهة المظاهرات نحو ادانة المالكي فهو لعمر الله ظلم ما بعده ظلم. فما الغريب الذي فعله المالكي دون غيره بحيث يتم إفراده بالتنديد وربما هو اقلهم فساداً وقد تنازل الرجل عن نصف مرتبه منذ زمن؟

ان اعداء المالكي هم كل من الأكراد، والمجلس الاعلى، والتيار الصدري، والفضيلة، وكفاءات، وكل اطراف "التخالف الشيعي"، واياد علاوي، والاخوان المسلمون بقيادة السامرائي، والدواعش بقيادة سليم الجبوري، وخطباء منصات الخيانة في المحافظات البيضاء سابقاً والسحماء حالياً، ودولة اردوغان الطائفية من الشمال وسائر العمق العرباني والقاعدي. فإذا ما استبدلنا اي شخصية من احزاب وكتل "التخالف الشيعي" بالمالكي لصحت قائمة الاعداء لذلك الشخص. فأعداء السيد عمار الحكيم ورمزه "التكنوقراط" الوحيد عادل عبدالمهدي هم ذات القائمة بإضافة المالكي اليها، ونفس الشيء يصح على عناصر التيار الصدري وممثله في نيابة رئيس الوزراء بهاء الاعرجي، وهلم جراً.

العدو الآخر للمالكي والذي اجلت ذكره متعمداً هم البعثيون وهو لبّ مقالتي. فلقد كان واضحاً جداً محاولة السيد المالكي احتواء البعث او البعثيين من خلال تأهيل رموز بارزة منهم وإشراكهم في العملية السياسية وفتح الابواب امامهم للتربع على مراكز مهمة في الدولة وذلك بتحييد هيئة المساءلة والعدالة وتقزيم دورها حتى اصطدم برئيسها ثم سرعان ما صفاه البعثيون وعلى إثر استشهاده، خرج ظافر العاني ليقول ان (الشهيد) علي اللامي قد تلقى نتائج اعماله، ولم ينبرِ السيد المالكي ليقول "انا ولي الدم" كما قال بحق الاعلامي الشهيد محمد بديوي الذي اجهز عليه كردي متهور بزي ضابط في الحرس الرئاسي المشؤوم.

ان مناورة السيد المالكي تلك مع البعثيين كانت بمثابة ترويض الافاعي التي ما لبثت ان لدغته من جحور شتى كرئاسة الجمهورية عبر عصابات اللئيم طارق المشهداني الهاشمي ومجلس النواب كمحمد الدايني وعبدالناصر الجنابي وعدنان الدليمي وكثير ممن احتفظ المالكي بملفات امنية ضدهم وليس آخرهم القاتل احمد العلواني ورافع العيساوي، ورئيس مجلس النواب الحالي سليم الجبوري. اما وقد جاءت تلك نفس العصبة التي ازاحت الجعفري وأتت بالمالكي ثم ازاحت الاخير فاستبدلته بالسيد العبادي على حساب استحقاق المالكي، فمن اين يتأتى للعبادي ان يحاسب ذئباً كالنجيفي وآله السراق، او بارزاني وكتلته من العصاة الذين نذروا ان يعيقوا اي تقدم للنظام الديمقراطي ويغذوا الاضطراب الامني ويسرقوا حتى اللحظة الاخيرة من بقائهم ضمن العراق، او يسائل فرداً من المجلس او التيار؟ كيف وبأي سلطة سيستطيع العبادي ان يسترد الاموال المرصودة في حسابات وعقارات واستثمارات سياسيين واحزاب في بنوك ودول خارجية كانوا قد نهبوها في عهد حواسم العهد الديمقراطي عبر استمارات وهمية وبيع وشراء بالوزارات والمناصب العليا في الدولة؟ ان السارقين هم كل اؤلئك الذين تنادوا اليوم لدعم التظاهرات والشروع بالاصلاح. ان السارقين هم احزاب الحكومة والبرلمان وقادة الجيش والشرطة. فالسارقون لم يخرجوا من باطن الارض او يحلوا علينا من السماء. فلا فضل لفاسد في الحكومة والبرلمان والجيش والشرطة على المالكي وبهاء الاعرجي لكي يتم تخصيصهما بلافتات في المظاهرات، هذا اذا لم يكن افراد من حزبيهما قد رفع لافتات منددة بالآخر ولحق بهم البعثيون ليزيدوا الشقة ما بين اطراف "التخالف الشيعي".

ان الحل يتلخص بأن تتوب احزاب التحالف الشيعي عن ذنب الانجراف القديم بالفساد وخيانة الامانة شأن التوابين الذين نكلوا عن نصرة الحسين عليه السلام؛ بأن يبادروا بالتطهر من كل الاموال الحرام التي تغلغلت في دمائهم ودماء اهليهم واعادتها الى خزينة الدولة كبادرة براءة يستندون عليها في البرلمان؛ حينها فقط سيستطيعون من خلال الوقوف صفا مرصوصاً خلف العبادي (ليس لشخصه ولكن لدوره) بمحاسبة كل الفاسدين بصرامة وعدم التنازل عن اي حق عراقي في ارض او ثروة، والكفر بكل توافق يتم لصالح اقلية على حساب الاغلبية او لصالح عشيرة على حساب شعب او لصالح طائفة على حساب امة. وبعد ذلك لن تكون مناصب الدولة مطمعاً للطفيليين بقدر كونها مضماراً للتنافس في خدمة العراقيين. ورويداً رويداً سينبري للمسؤولية رجال يحفزهم حب الانجاز والخدمة بينما يحذر وينكفئ المندسون اتقاءً من لكمة الشعب الماحقة ورصده لاحابيلهم القذرة وهم ما لن ينجو منهم العراق بوجود اسياد يشرونهم بثمن بخس كالسعودية والاردن وتركيا وقطر والامارات.

في المثقف اليوم