أقلام حرة

سياسيو القنادر!؟

abdulsattar nooraliفي 14 ديسمبر 2008 رمى منتظر الزيدي حذاءه باتجاه الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش أثناء مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء نوري المالكي في بغداد.

عندها قامت الأمة العربية المجيدة من أقصاها الى أقصاها ولم تقعد، استبشاراً بالثورة العربية الكبرى التي أعادت فلسطين وعاصمتها القدس الشريف! ففرّت الولايات المتحدة الأمريكية من العراق مذعورة لا تلوي علي شيء، تجرُّ أذيال الخيبة والهزيمة النكراء، فانسحبت القواعد الأمريكية من قطر والسعودية! كما أغلقت اسرائيل سفاراتها وقنصلياتها ومكاتبها التجارية وغير التجارية ومراكز الموساد المنتشرة في العديد من البلدان العربية. ولفّت أعلامها المرفرفة فوق عواصم تلك البلاد، وهربت مرتعبةً مرتعشة لتنفذ بجلود دبلوماسييها. كما أُلقيَ اليهود في الأرض المحتلة في البحر!!

وعلى أثرها زغردت حناجر النساء، ودُبّجتْ الأناشيد والقصائد والأغاني فرحاً بانتصار القندرة التاريخي الذي أعاد للأمة المهزومة المبتلاة كرامتَها المهدورة. فوحّدها في أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة!

موضوعة القنادر تثير في الأمة مشاعر متباينة، بين الاحتقار والافتخار فيقولون "تحت قندرتي"، احتقاراً للمشار اليه (التحت)، وافتخاراً بأنّ الناطق لا يهمه مَنْ هو تحت، بل يستصغره ويحتقره. فهو المُحتذي قندرةً، وذاك التحت هو الحافي. والحافي صفة تُطلق عربياً على الفقير المسكين الذي لا يملك من الدنيا شروى نقير!

وهذه سيكولوجيا وصفة عربية بامتياز. ولربما نحن أيضاً من المُبتلين بها في أحاديثنا اليومية فيما بيننا. ولكن حين يكون الكلام على الهواء وأمام الرأي العام والجمهور العريض، نتجنب أنْ تنطق ألسنتنا بما لا يليق بالمقام، فإنْ نطقنا بها فقدنا الكثير من الوجاهة والاصغاء والاحترام. وبالذات هذه الألفاظ التي لا تليق بمن يحترم الناس ويحترم نفسه. وناطقها يتظاهر بالكِبر مقاماً والعلو شأناً، وقد يكون منْ أرذل القوم.

وعبارة (جوه قندرتي) بمعنى (تحت حذائي)، من العبارات المُنفِرة في الكلام بين الناس الكيسين الذين يزنون ما يقولون قبل النطق به.

لكنّ مَنْ يُطلَق عليهم اسمُ سياسيين ومسؤولين ورجالَ دولة في العراق، فقدوا اتزان الكلام ولا يدركون معنى مقولة "لكلّ مقام مقال"، ولأنهم لا يستحون، فكشفوا عن مدخولات أنفسهم الحقيقية في لحظة حرج وغفلة، واماطوا اللثامَ عن ثقافتهم الاجتماعية والسياسية، وعن شخصياتهم الانسانية، ليقفوا عراةً أمام الناس، بلا رتوش من زينة مُصطنعَة، وكذب مُزخرَف بحلو الكلام.

فذاك بهاء الأعرجيُّ يسحق، قولاً، المطالبين بحقوقهم تحت قدميه المحتذية قندرةً، يعلم الله كم سعرُها، ومنْ أيةِ عاصمة غربية اشتراها؟!

وهذا إياد علاوي يقول أيضاً حين سأله الاعلامي نجم الربيعي في قناة البغدادية محاوراً في برنامج (حوار عراقي) مساء الأربعاء 12.8.2015 عن منصبه الذي أعفي منه (نائب رئيس الجمهورية)، فأجاب بأنّ المنصبَ "تحت قندرته".

مسكينة القندرة التي تقينا الطريق، ترابَه وأشواكه وطينه وثلجه! كم تتحمل من سياسيينا، والناس عامة من احتقار وازدراء، مع أنَّ أيَّ واحدٍ منا لا يقدر على السير من دونها، ويهتم بنظافتها وتلميعها لأهميتها في مظهر الانسان أناقةً ونظافةً.

وعجبي عليهم، لماذا يحتقرونها وهم يشترونها من أرقى المحلات الباريسية والايطالية واللندنية والواشنطينية، والزوج منها بآلاف الدولارات؟!

إنّهم لا يطأون الأرض التي يطأها الفقراء والمساكين والحفاة، وهي أرض مليئة بالطين والتراب والأشواك والمطبات والنفايات في كلِّ مكان من مدننا المستباحة نهباً وفساداً وتخريبا!!

بينما هم، سياسيي آخر زمان، يتنقلون بالسيارات الفارهة المبردة، والمصفحة والمدججة بالسلاح، ويطأون أرضياتٍ من المرمر والسجاد الايراني الفاخر في القصور والفنادق الفاخرة والمتنزهات! وبالضرورة عليهم احترامُ القندرة!

 

عبد الستار نورعلي

في المثقف اليوم