أقلام حرة

بين حصان علوة المخضر في حي جميلة وحصان غولساري صيف حارق، وشتاء قارص

akeel alabodتوطئة قبل افتتاح ستار المسرح: عندما اطلق حي جميلة صيحات استغاثاته في بغداد، صباح يوم مشرق من صباحات يوم الخميس، بتاريخ 13/8/2015، بغداد كانت على موعد مع تظاهرة اخرى جديدة، لمطالبة المسؤولين المختصين في الحكومة العراقية، بتزويدهم ومحافظات العراق جميعا بالتيار الكهربائي.

على اثر الجريمة، احدى شاشات التلفاز العراقية، عرضت تعليقا على لسان إعلامي كان ناجحا حقاً، حين راح أداؤه يمضي بطريقة فنية دقيقة، وهو يعرض مشهدا لحصان تساقطت أطراف جلده، وشعره، حتى أضحت سوداء محترقة، اثر نوبات الم كانت تعتصر، وتنتاب هذا الحيوان، الذي لم يكن بوسعه ان يبكي بعد ان شهد مجزرة موت جماعي، التهمت أرواح صغار الحي وكباره، نساءه ورجاله، لذلك حرقة وألما، وتأسيا، لم يكن (بطل المشهد) يقوى لان يطلق العنان لبكاء وجعه العميق، لكانه يريد ان يقول: من انا امام عذابات واستغاثات هؤلاء الذين صرعتهم الة التوحش هذه.

 

القضية والسيناريو:

هنا امام مشاهد الاشلاء، وحكايات الحي، التي اظهرتها عدسة الكاميرا، بذكاء ومهارة فائقتين، بناء على مشاهد الخراب، التي دبت كالاعصار، الموت نهض من نومته ، وقف منذهلا حقاً حتى مع سقوط واجهات محلات الخضار، وتلك الاشلاء، التي تزامن تناثر صيحاتها مع ذلك العصف الذي أودى حتّى باقفاص البطاطا وتلك الخضار، التي تأسيا وتضامنا، أعلنت عن فقدانها لصلاحية البيع والأكل والاطعام، بعد ان اكتست قشرتها بلون القنابل ورائحة الدم، لتصير هكذا صامتة على طريقة الحصان لكانها ارتدت ثوبا قاتما رماديا، كما لون تلك القنابل، التي لم تذعن هذه المرة لمن أراد استخدامها، لذلك سرا وخفية، اشاحت بوجهها خجلا، لكانها استحت من فعلتها الدنيئة ، حين راح زعيقها ينهش ويفترس جميع ما حوله دون رحمة.

                                                                    

أركان القضية

فاعل الجريمة هذا الذي اعتاد ان يؤرق حسابات دسائسه المفخخة، بناء على أسواق البورصة المعدة لإحصاء مساحات الموت.

مكان الجريمة، بقعة من الارض، يعود انتمائها الجغرافي الى خارطة اسمها العراق.

اداة الجريمة، شاحنة جاهزة للانفجار، على طريقة سفاك تستهويه رائحة الدم المغموس بطعم الحرائق والأشلاء.

 

قرار قاضي التحقيق مع وصف الشهود:  

هنا ومع تكرر المشهد كل يوم، بغداد كما بيروت، تلك التي انشدها القباني حين قال: "بيروت تبحث كل يوم عن ضحية، حيث الكتابة رحلة بين الشظية، والشظية"

لذلك بين جرح بيروت ايام زمان، وجرح بغداد، في هذا الزمان .

الجاني لا احد يقدر ان ينتزع سيفه، سلطة الأمن ومجالسها ومؤتمراتها، لا تقوى كعادتها، منذ ذلك الحين على ايقافه، الجميع منشغل بموضوع اجهزة الدمار الشامل، لا احد من مسؤولي هذا العالم بقادر على إيقاف الة الحرب، وإنقاذ هذه الارواح من صراع السياسات.

 

تعليق الحاضرين:

المثير للجدل حقا، انه منذ عصر اطلق عليه بحسب الاعلام (بالربيع العربي)، القرينة تغيرت دلالتها اللغوية، ما يشير الى ان هنالك جفرة اسمها التفخيخ العربي؛

هي هكذا لغتها اسمع بها عبر دوي هائل، ينبض بالرذيلة والقتل، تحت غطاء هذا الفصل الذي احرقوا خضرته، وبساتينه وازهاره، واغتصبوا ابتسامته، بل حتى فراشاته وعصافيره انتزعوا أرواحها. حيث تحت اليافظة هذه، غزتنا أرتال القنابل وأجهزة التفخيخ المنظم ومحطات ديناميتها الناسف، وأقوى ما في خيوط الجريمة ان الفاعل لم يترك من بصمات جنايته الا (اسم الله، وراية ومحمد).

 

نهاية المشهد مع دموع طفلة تطلق حمامة السلام وسط المسرح:

لقد بقي الحصان هكذا حاضرا، اسمع انينه، كما حصان غولساري[1]، هذا الذي ضم صوته الى رفيق مسيرته، يوم أطلق اخر ما تبقى له من انفاس عند مسارات درب شتائي قارص، اثر تعرضه الى نوبة برد قلبية أدت الى مصرعه تازرا مع صاحبه.

لذلك حصان حي جميلة، هو الاخر بقي مع وعكته الصحية، يحمل جراح الحي وأهليه وساكنيه، كما حملها قبله، بطل رواية ايتماتوف، ذاك الذي بقي وفيا لصاحبه حتى فارق الحياة.

 

[1]حصان غولساري قصة رواية جنكيز أيتماتوف.

 

عقيل العبود

في المثقف اليوم