أقلام حرة

كم أنا رخيص . . أرجوكم إبكوا معي

nabil ahmadalamirلن أكتب لكم اليوم كلمات جديدة لأشد إنتباهكم كالعادة ..

بل سأكتفي بنقل كلمات رسالة وجدت في جيب عراقي غرق في البحر المتوسط .. كما غرق حظّه في بحر ظلم من حكم وطنه، وإستوطن في طريق أحلامه ليقطع عليه طريق تحقيقها.

وأظنّها ستبكيكم كما أبكتني، وأدركت منها كم أنا رخيص ... وكم أنا مظلوم ..

لذلك قررت أن أثور على الظلم .. ولن أسكت عن ظالم بعد اليوم .. بل سأقود الثورة لأنصف بها المظلومين أمثالي .

والله من وراء القصد .

 

وإليكم نص الرسالة ...

"أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة ...

لاتحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي .

أنا آسف ياامي ..

كان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر، مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء القولون لك، وثمن تصليح أسنانك التي أكلتها السنين .

وبالمناسبة لون أسناني الآن أصبح أخضر بسبب الطحالب العالقة فيها، ومع ذلك هي أجمل من أسنان الظالم الذي ظلمك وظلمني .

أنا آسف يا حبيبتي . .

لأنني بنيت لك بيتاً من الوهم، وكوخاً خشبياً جميلاً كما كنا نشاهده في الأفلام، كوخاً فقيراً بعيداً عن المتفجرات اللاصقة والحارقة، وبعيداً عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران عنا .

أنا آسف يا أخي ..

لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهرياً لترفه عن نفسك قبل التخرج .

أنا آسف يا أختي ..

لأنني لن أرسل لك الهاتف الحديث الذي يحوي "الواي فاي" أسوة بصديقتك ميسورة الحال .

 

أنا آسف يا منزلي الجميل ..

لأنني لن أعلق معطفي خلف الباب .

 

أنا آسف أيها الغواصون الباحثون عن المفقودين ..

فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه ..

إطمئني يا دائرة اللجوء والهجرة فأنا لن أكون حملاً ثقيلاً عليك .

وشكراً لك أيها البحر الذي استقبلني بدون فيزا ولا جواز سفر ..

شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي .

شكراً لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتي لمدة خمس دقائق كل ساعة لمدة يومين . .

شكراً لكم لأنكم ستحزنون علي عندما ستسمعون الخبر .

أنا آسف لأني غرقت..".

 

د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم