أقلام حرة

الموصل لا قيمة لسقوطها

ان النظام الديمقراطي العراقي الحالي لا يعطي اية قيمة لأي عنصر مكوّن له. فلا قيمة حقيقية للسلطات الثلاث واستقلالها كما لا قيمة لمنظمات المجتمع المدني، فالكل لا يهم ولا يقدم ولا يؤخر، وبقيت السلطة الحقيقية للأحزاب الكبيرة والرموز الطائفية والعائلية التي تلقى دعماً خارجياً سياسياً ومالياً واعلامياً. وهي سلطة تتجاوز في حقيقتها على القوانين السارية على المواطن العراقي اليتيم. ولعله من فاحش الوضوح ان يكون الشعب العراقي هو الابخس قيمة في كل ذلك الخضمّ من الوجودات. فما هي قيمة الموصل امنياً او اقتصادياً للطبقة الحاكمة لولا انها شكلت عيناً ارهابية موبوءةً تهدد استقرار العراق فتصدى لها المرجع الكبير بفتواه المباركة ليطمرها ببساطيل رجال الحشد الشعبي المغوار نجدة لأعداء داعش فيها وخصوصاً الاقليات الكريمة التي استحالت الى فريسة لا والي لها.

بعد عهد متطاول من الزمن الذي استغرقته اللجنة البرلمانية للتحقيق في اسباب سقوط الموصل خرجت اللجنة بقائمة اسماء من المتهمين بسقوط المدينة الشمالية ذات السيرة الشاذة في تاريخ النضال الوطني العراقي. ولم يخفَ عن المواطن ان اعضاء اللجنة كانوا متناقضين تجاه لائحة المتهمين وهو امر ليس بغريب على لجنة تشكلت لكي لا تعمل ولا تصل الى نتائج، وجاء تشكيلها ايضاً كمرآة لشكل الحكومة والبرلمان والقضاء والقوات الامنية. فالكل موجود فيها الا الحياد، ومتوفرة على كل شيء الا الأمل بالنجاح لعدم كفاءة "جميع" اطراف العملية السياسية وجهلها بمبادئ تشكيل لجنة يناط بها الخروج بقرارات ملزمة يكون القانون هو قاعدتها حيث لا يجد القضاء عنتاً في امضائها بحق اصحابها.

ان بيان ائتلاف متحدون استهجن مقررات اللجنة باتهامه اثيل النجيفي وعده مهيناً بحق "ابناء الموصل" ويعطي رسالة سلبية لهم! والسؤال لكتلة النجيفي، ما هو دور ابناء الموصل في دعم التجربة الديمقراطية العراقية وقد اختزلتم دورهم بشتم الحكومة والجيش والشعب العراقي من على منصات الخيانة؟ ومع ذلك تعمل الحكومة الملساء على ارسال مرتباتهم وتزويدهم بالكهرباء بينما هم ينعمون بحكم انفسهم من قبل داعش بعد ان فتح احدهم كل طرق المدنية للآخر وتبرعوا بأموالهم وممتلكاتهم ونسائهم لرغد عيش رجال داعش (1).

من جهته اعتبر السيد المالكي ان التقرير لا قيمة له لأن اللجنة سقطت في دوامة الاختلافات السياسية (2)، ونغفل الضغائن الشخصية والحزبية. وهو ما نتفق معه عليه تماماً ولذلك لن يرجو العراقيون من لجنة برلمانية حلاً لمشكلة او انتصافاً من فاسد او قاتل، والسبب ببساطة هو ان اللجان تشكل قسراً من داعمين للمجرم وآخرين خانعين له، فمن اين يجد الحق منفذاً؟! ونسترسل بالأسئلة لنقول، اين لجنة سبايكر، وعروس الدجيل، والثرثار، وتفجير البرلمان؟؟

وفي اعتراف فاضح من قبل جميع الاطراف على العجز في الخضوع لمقررات هذه اللجنة اتفق البرلمان برمته (وهو رميم) على إلقاء عبء البتات بتحقيقات لجنة سقوط الموصل على كاهل القضاء العراقي التوافقي التحاصصي المتهم من المتضررين منه والممدوح من المستفيدين منه وهو الذي انشغل بشكاوى السياسيين بعضهم على بعض لتصريحات سياسية او بيانات فضائحية. سننظر ماذا هذا القضاء الخجول فاعل بهذه الطامة التي طاحت على قحفه بعد ان وجدت اللجنة التحقيقية برئيسها الزاملي انها اصغر من ان تناطح عميلاً كأثيل النجيفي او شيخ عشيرة ورئيس اقليم كبارزاني ورئيس اكبر كتلة برلمانية كالمالكي؟

ونحن ايضاً نتفق مع الضدين حول سلامة مقررات اللجنة جملة وتفصيلاً. أجل، لم يعد مجدياً طرح اسئلة من قبيل، من عيّن الزاملي رئيساً للجنة؟ وكيف تم تحديد عدد افرادها؟ وما هي المؤهلات التي استقصيت في افرادها؟ وما هي المرجعية القانونية التي تستند عليها قراراتها؟ ومن ستكون الجهة القائمة على انفاذ القانون بحق من القى الموصل بحضن داعش؟ وغيرها الكثير من الاسئلة التي اصبح مجرد التأمل فيها يفضي الى اليأس من التعويل على وجود قادة ورعاة أمينين على المسؤوليات التي تصدوا لتلبيتها. لكن من المجدي جداً القول ان المالكي اولاً وكل التحالف الشيعي المنفرط من خلفه هو آخر شخص يمكن اتهامه بسقوط الموصل لصالح داعش لأن الموضوع يمس صيانة منصبه وسمعته وكتلته بصورة مباشرة. وان اول شخص يجب اتهامه هو بارزاني بطل التحرير القومي الكردي الذي اعلن رسم الحدود بالدم فنزا على كركوك وسهل نينوى! اما من السنة فهم كل دعاة الاقلمة والتقسيم ورعاة منصات الاعتصام القاعدية وغرف عملياتها في انقرة وعمّان الذين ما انفكوا يربطون ما بين التفاوض مع الدواعش من اجل تلبية مطالب "المعتصمين" رغم انكشاف حقيقة ان الاعتصامات كانت ذاهبة الى اجهاض التجربة العراقية كلها وانزال مذبحة كبرى بالشعب العراقي من خارج المحافظات البيضاء.

 

هيثم الغريباوي

...............

المصادر:

(1) http://al-iraqnews.net/new/newwss/political-news/160082.html

(2) http://www.alwasatnews.com/4729/news/read/1017729/1.html

 

في المثقف اليوم