أقلام حرة

دخان ماكنة أبو حيدر .. ورياح التغيير

ahmad alkhozaiالحزمة الثانية من إصلاحات رئيس الوزراء ترى النور بمباركة جميع الكتل السياسية الكبيرة في العراق، والخاصة بدمج بعض الوزارات مع بعضها البعض، وإلغاء البعض الأخر منها، التي استحدثت لإرضاء بعض الكتل والأحزاب والقوميات والطوائف .. قد تكون هذه الخطوة بادرة تبعث على التفاؤل وان كانت دون طموح الجماهير المنتفضة على الفساد والفاسدين، التي تأمل بأن ترى شيئ ملموس على ارض الواقع .. كأن ترى سارقا يحاكم، او مسئولا كبير يطرد من عمله لأنه قصر في أداء واجبه أو حنث باليمين الذي اقسم عليه لخدمة العراق والعراقيين .. لكن في جميع الأحوال لا زلنا ننتظر الكثير، فالمشكلة العراقية اكبر من ان تحل بحلول ترقيعية، او مجتزئة .

في إحدى الوزارات التي تم دمجها مؤخرا، استنفر أصحاب المناصب العليا والمنتفعين كل طاقاتهم لإفشال هذه الخطوة الصحيحة، بعدما غادروا مكاتبهم الفخمة الفارهة في حرارة آب اللاهبة، ليقفوا مع سكرتارياتهم ومدراء مكاتبهم امام مقر وزيرهم الآفل حكمه ليحتجوا على دمج وزارتهم مع وزارة أخرى هي في كل المقاييس أفضل بكثير .. هؤلاء المدراء الذين تواروا خلف أبواب ترفهم اليومي، والوجوه العابسة لمدراء مكاتبهم، ووضعوا البوابات السوداء الموصدة بسلسلة روتينية طويلة، بينهم وبين موظفي دوائرهم، فجأة تراهم وقد تحولوا إلى أناس بسطاء مطالبين بحقوق يعتقدون إنها سلبت منهم .

بالقرب من تجمعهم المبارك هذا الذي ترعاه (انانا) آلهة الخصب والحب والجمال عند السومريين .. كان يقف (أبو حيدر) ببذلته الزرقاء الموشومة ببقع عرق جسده الأبيض، وعينان فقد إحداهما بإحدى الحروب العبثية للقائد الضرورة ، والأخرى لا ترى في الشمس بوضوح وقد أعياها كد السنين، وقف أبو حيدر بقربهم دافعا بكلتا يديه ماكنته التي اعتاد العمل فيها وأصبحت رفيقة رحلة شقائه اليومي وهو يقص (ثيل) حدائق الوزارة براتب لا يتجاوز المئتا إلف دينار شهريا، في بلد غابت عنه العدالة الاجتماعية، امتزجت أصواتهم المترفة مع هدير ماكنته، في مفارقة غرائبية لا تحدث الا في العراق، يقول الفيلسوف الصيني كونفشيوس .. (الفقر عار في بلد محكوم بشكل جيد، والثروة عار في بلد محكوم بشكل سيئ) .. والشطر الثاني من هذه الحكمة هو ما يحدث هنا الآن .

أبو حيدر كان يجهل ما يدور حوله، ويجهل الوجوه التي تقف بقربه ، غير انه شعر بأنهم من علية القوم، بعد أن تسائل عن سبب تجمعهم، وحين اخبروه السبب، ضحك بتهكم قائلا .. (الحمد لله .. اندمجنة لو ظلينة بمكانة، أهم شيء لا يكطعون الميتين الف دينار).

هكذا هم الفقراء والشرفاء في بلدي يتشبثون بهامش الحياة .. فلا مكان لهم وسط حيتانه المتخمة بثروته .

مرت ساعة وهم واقفين حتى أعيتهم حرارة الشمس الحارقة، غادروا المكان مسرعين إلى مكاتبهم المكيفة التي أرغمتهم على مغادرتها رياح التغيير، مخلفين ورائهم غبار أقدامهم الذي امتزج مع دخان ماكنة أبو حيدر ليزداد المشهد ضبابية وعتمة .

 

احمد عواد الخزاعي

في المثقف اليوم